عندما قررت العين مقاومة المخرز : الشعب السوري ما بينذل
قبل أن نختلف على مفهوم ’المذلة‘ بحسب ما برمجتنا مشاهد الدراما والسينما على تصويرها، علينا على الأقل الاعتراف بأن المذلة ليست فقط أن تضرب وتهان أو أن تشتم ويبصق عليك وأنت مربوط بالقفص كالحيوان.، فكثير من الأمور التي تعودنا عليها واعتبرناها أشياء ’طبيعية‘ جدا لو أمعنّا النظر بتفاصيلها لوجدنا المذلة والاهانة متجسدة فيها بشكل واضح وصريح.
مثل انقطاع الكهرباء عن مناطق كاملة لساعات متواصلة دون تقديم أي اعتذار أو تعويض أو ظهور أحد المعنيين على الشاشة لتقديم أسبابه التي ستتشفع له لدى جماعة كاملة عاقبها واجلسها لساعات متواصلة في الظلمة.
أو مثلما حدث في السنوات الماضية عند ابداع فكرة ما يسمى ’’قسائم دعم المازوت‘‘والتي تحولت فيما بعد لدعم مخصص لمن استوفى الأوراق الثبوتية لشهادة ’’فقر الحال‘‘. و ما يحدث اليوم من الوقوف ضمن أرتال من البشر لساعات وساعات بانتظار اغتنام فرصة شراء 200 لتر مازوت للحماية من البرد القارس لأسابيع قليلة من شتاء سوريا الطويل.
أو عند وقوع مواطن ما ضحية الصلاحية المطلقة للشرطة (بكل أنواعها وفئاتها وهيكلياتها) وإجباره بالقوة والترهيب على الرضوخ للتعليمات التي تسترسل بها مخيلات الشرطي الابداعية، والتي عادة ما يتلوها ضمن صيغة (ولاك) أو يتبعها بمفردة (انقلع) وغيرها من الموشحات الغزلية التي باتت مادة فكاهية وموضوع تندر من قبل كتاب ومخرجي المسلسلات الكوميدية.
حتى عند خروج مواطن ما سعيداً بتسييره معاملته الحكومية بزمن قياسي بعد سحب الموظف الرشوة من جيبه، يكون قد تعرض للذل بطريقة أو بأخرى، وإن تفاخر أو دافع عن الفكرة انطلاقا من أنه قد أذل قرشه بدل أن تذل نفسه، إلا أنه بالنهاية قرش خاص به ودفعه بديلاً عن كرامته أو فداءاً لها لا يعني في هذه الحالة حمايتها ومصونتها من الاهانة.
اعتاد السوري هذه المذلة اليومية في نمط حياته، لدرجة يصعب على الكثيرين تخيل سير الحياة من دونها! فتارة يعتبرونها جزء من الحياة ويجاهرون بواقعيتها (محسّب بأوروبا مافي رشوة؟) وطوراً يعتبروها جزءاً خاصاً من شخصية السوري الانتهازية والمستغلة لضعف الآخرين وأن أي شخص آخر لو وضع مكان (الذالل) لأمعن في إذلال الآخرين تماما كما يحدث الآن.
نقطة التحول الحقيقية كانت في تاريخ 17 شباط 2011 في منطقة الحريقة في دمشق، يوم قام شرطي مرور لا يملك أي صلاحيات مدنية حقيقية بإذلال سائق سيارة لم يتقّبل النبرة المتعالية والمسبة التي نعته الشرطي بها أمام أولاده، فانقض عليه الشرطي وزميله المنتظر خدمة لشوارب الشعب لضرب المعترض على أوامر الشرطي، أدموه وانزلوه من سيارته وحبسوه في إحدى البنايات لانتظار نقله للجهات المعنية وتأديبه على تمرده.
هذا الاذلال الفردي الذي اُمعن في تطبيقه على أحد المواطنين حرك الضمير العام لدى المتواجدين في المنطقة ليصرخوا سويّة (الشعب السوري ما بينذل) وليجبروا وزير الداخلية حينها على القدوم للمكان وتهدئة النفوس واعادة الامور إلى نصابها والتوعد بعدم تكرار مثل هذه الحوادث ومحاسبة الشرطيين والاعتذار من المتضرر.
تماما كما يحدث في القصة التي ترويها الكتب عن أب أراد تعليم أولاده مفهوم الجماعة التي تشكل مع بعضها قوة يمكن أن تواجه المصاعب وتتحداها وتخرج بالنهاية منتصرة، الأعواد المفردة يمكن إذلالها وكسرها أما الحزمة الكبيرة المجتمعة فلن تقوى أي مؤسسة أو هيكلية أو منهجية على تحديها واذلالها والخروج منتصرة في النهاية. الفرق الوحيد أن الشعب السوري في الحريقة وما بعدها من أحداث هو الذي لعب دور الأب الحكيم والأولاد والعيدان بآن واحد.
لذلك، وبالرغم من كل أنواع المذلة التي عانيت وقد أعاني منها بشكل شخصي في يوم من الأيام، سأبقى فخور بالشعب السوري الذي قرر مجتمعاً رفض المذلة بكافة أشكالها.
نقطة التحول الحقيقية كانت في تاريخ 17 شباط 2010 في منطقة الحريقة في دمشق
ردحذف__
اعتقد ان هناك خطأ طباعي, أظن الحادثة وقعت في 2011 أسابيع قبل اندلاع الثورة
معلوتك صحيحة
ردحذفشكرا
سبق وقلتلك انك مريض نفسي
ردحذفمخيف
بظن لازمك علاج من امراض الشك
الشك ؟
ردحذفانو شو مشان الهبل اللي عم تعيش فيو
كل هلقد متدايق من المكتوب ليكو زر الاكس على زاوية شاشتك كبسو والله ييسرلك
بس انو تتهابل
ماني مضطر جاوبك على كل شغلة عم تأفحمني فيها حضرتك !
وبحب طمنك العقلية والنفسية تماما التمام
هيك كلشي بنيتو بحياتي بقلي
بعكسك ( اذا صحّت توقعاتي )
رائع غابي كالعادة... في الحقيقة لا شيء يمكن قوله!!
ردحذفميس
ردحذفبهلوقت بالتحديد
لازم كلشي ينقال :)
شكرا جزيلا جزاك الله خير
ردحذفبارك الله فيك اخي العزيز