عن تناقض المواقف وأزمة العروبة مع المادة الثامنة في الدستور
المادة الثامنة
حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية.
طالب أكراد سوريا قبل أشهر قليلة بشكل واضح وصريح تخليص سوريا من الصفة "العربية" الملتصقة بها وعدم الحاق سوريا كوطن بأي صفة عرقية خاصة. رغم وجود عشرات الطوابع وعشرات القطع النقدية المدموغ عليها منذ قرابة نصف قرن من الزمن وسم "الجمهورية السورية" بشكل واضح وصريح، إلا أنها لم تشكل سببا كافياً لتقبل معظم فئات المجتمع السوري المنشأة على قناعة العروبة والتسليم المطلق بصحتها كعرق ولغة وقومية وهوية، لمفهوم المساواة في المواطنة بين القوميات المغايرة (هذا إن لم نرد الغوص في العروبة أساسا واعتبرنا المحيط السوري الأوسع ينتمي تلقائيا للقومية العربية)، وعليه لم يتوانى كثيرون عن اخذ خطوة تخوين الأكراد وكل من رأى في مطلبهم كلام حق (وإن اتفقنا أو اختلفنا فيما بعد إن كان يراد به باطلاً أم لا). وتم استخدام هذا المطلب للاستدلال ولفضح النوايا الانفصالية الخبيثة المستعينة بالمؤامرة التي تريد تجريد سوريا من انتمائها ليحلوا للغرب فيما بعد خلق انتماء جديد يتماشى مع أهوائهم في المنطقة.
القت مطلب الأكراد السوريين تساؤلات حقيقية حول جدوى ارتباط دولة كاملة بكل أطيافها ومكوناتها الاجتماعية وقومياتها وأعراقها وثقافاتها بقومية واحدة تشمل الجميع وتفرض عليهم القبوع والانزواء داخل عباءتها، وكانت مطالبهم بمثابة الحجر الذي حرك في سوريا المياه الراكدة على أسس القومية العربية. للمرة الأولى في سوريا يصبح الحديث في المفهوم القومي وربطه بالمواطنة فعل علني حقيقي وموضع اهتمام عامة الشعب بعد أن كان مقتصرا على رواد الانترنت والمنتديات الفكرية التي تهتم بإثارة المواضيع السياسية والبحث في مفاهيم القومية والمواطنة والمجتمعات وتوابعها.
في الأمس وبعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، قفز أصحاب الانتماء العروبي "السابق"، نحو المطالبة باستئصال الصفة العربية من الكيان السوري السياسي والاجتماعي والتحول إلى نموذج "الجمهورية السورية"، النموذج ذاته الذي حورب قبل أشهر قليلة ونعت أصحابه بالخونة. هذه النقلة النوعية لم تتم عن قناعة وادراك لمفهوم المساواة بل نتجت عن إفراط في الاقصاء، يوم كان الهدف اقصاء الأكراد تم تمسك بالهوية العربية والتضحية بالهوية السورية، ويوم أصبح إقصاء العرب هدفاً تم تمسك بالهوية السورية والتضحية بالهوية بالعربية.
تبنّي "الجموع" مواقف معاكسة تماما على مستوى الشعارات والقناعات خلال فترة قياسية تجعلني استذكر الفكرة التي قدمها جورج اورويل حول "القطيع" في رواية 1984، القطيع الذي فرح لوصول مخصص الشوكولا للفرد إلى نسبة 20% ، فرح مصدره الشعور بالانتصار والتقدم لحصوله على هذا الانجاز ولاعتقاده واقتناعه بآن واحد أن حاله في تحسن مستمر، يبدو تماما أنه قد نسي أن الاسبوع الفائت كانت النسبة المخصصة للفرد 30% وتم اختصارها!.
هل يتذكر الفكر الجماعي هذه الحقيقة؟ هل يتذكر كل فرد من الجماعة تسلسل الأحداث- القريب منه قبل البعيد- ويتجاهلها أو أنه فعلا تم تدجينه وضمّه لقطيع ذاكرته مسيطر عليها وأحاسيسه ومشاعره موجهة بشكل مسبق؟
بعيداً عن مناقشة النزعة الاقصائية وآلية معالجتها للواقع وتحليل طريقة انتاجها لردات الفعل العنيفة المتناقضة في كثير من الأحيان. اختلاف الموقف والرؤية لدى "الجموع" اليوم عما كانت عليه في الأمس تطرح تساؤلات مشروعة يجب الوقوف مطولاً أمامها، فبعد أن انفضت جميع فئات الشعب السوري عن دائرة حزب البعث العربي الاشتراكي المنصّب تلقائيا قائداً للمجتمع والدولة بموجب المادة الثامنة من الدستور، حيث أخذ السوريون شعبتين منفصلتين، الأولى معارضة لسلطة البعث المطلقة وتطالب بتحجيمها عبر الغاء المادة الثامنة، وأخرى مؤيدة "سابقاً" لم تعد بعد الآن مؤمنة بشعار الأمة العربية الواحدة وقد عبرت بشكل قاطع عن رفضها لمفهوم الانتماء للعروبة والتالي بالضرورة رفض مبدأ الوحدة العربية من المحيط للخليج، الهدف الأول ضمن المنظومة الحزبية البعثية العربية. هذه النقلة غير البسيطة تفرض علينا الوقوف من جديد أمام المادة الثامنة من الدستور والسؤال عن آلية معالجة هذه المعضلة التي خلقتها تعاكس المواقف، فهل سيستغنى عن المادة الثامنة أم يحوّر مفهومها أو يعاد صياغتها من جديد بعد أن استغنى بشكل واضح جمع السوريين عن جوهر البعث وهدف وجوده!
تدوينه رائعه ملهاش حل
ردحذفشكراً !
ردحذفهاي غابي
ردحذفمبارح كنت عم احكي مع اختي حول هالنقطة ..
انا كان من زمان رايي انو فعلا انو سورية هي عبارة عن تجمع قوميات لازم الاعتراف فيها ويعني كانت نقطة لاف كبيرة بيني وبينها لانو ما عم ميز بين العرب والعروبة وللصراحة انا فعلا ما بعرف شو هوي الفرق اذا كان موجود
بس بختلف معك كتير بالمثال يلي جبتو اي الاكراد
مشكلة الاكراد كانت دائما دعوتهون اما لتشكيل اقليم خاص فيهون او الدعوة لاقامة دولتهون اي كردستان ولي بتتشكل عن طريق اقتطاع اجزاء من عدة دول فالاكراد بشكل عام هني حالة خاصة مرفوضة مني ع الاقل .. بينما ما انحكا يوما ما تجاه الارمن ولا الاشوريين ( وينك يا سيمون) ولا السريان ... الخ من القوميات الموجودة
وانو الناس هيك بسرعة غيرت رايها .. هي بدها يعني مو كتير ذكا وهي للاسف طبع عام عند البشر مو بس العرب ع الاقل حسب ما شفت هون بالمانيا كيف الناس حسب الظرف بتغير حالها مو بس افكارها او معتقداتها هي من الطبيعة الانسانية كانو والله ما بعرف بالضبط
ع كل بستغل المناسبة وبقلك صاير ما كتير نشيط متل السابق شو القصة؟؟؟
تحاتي وسلاماتي
سونة
سونا يا سونا :)
ردحذفمن فترة سألت الشعب العتيد عنّك وما حدا عرف وين اراضيكي
اذا بدك ضيفيني علفايسبوك حاطط لينك بروفايلي فوق على يمين الصفحة
بخصوص وضع الاكراد فانا بخاف نوعا ما من المطالب الانفصالية في حال كانت هدف لهيك قلت "(وإن اتفقنا أو اختلفنا فيما بعد إن كان يراد به باطلاً أم لا)"
بالنهاية العدالة مطلب حق ... ممكن موضوع الاكراد بدو دراسة منفصلة أكتر من موضوع القوميات المختلفة البقية
بس بالنهاية مطلب العدالة والمساواة مطلب حق ولازم يتاخد بعين الاعتبار
تغيير الظروف انا ما شفتو .. انا شفت اقصاء هدفو الاقصاء
بجميع الدول العربية بيقدر الحاكم يفوز بنسبة 60% او 70% لكن الجميع بدون استثناء ما بيختار الا 99%
بمعنى لا يمكن يعترف بوجود آخر وهلشي عم نشوفو بالعقلية اللي رفعت يوم شعار تخوين الانسان اللي عم يطالب بالجمهورية السورية .. بعد 3 شهور صارت هية اتطالب بنفس المطلب !
مع انو بتخيل بنظر هلشخص انو لا ما نفس الشي ! مع انو مطلب حرفيا نفسو !
شكرا جزيلا جزاك الله خير
ردحذفبارك الله فيك اخي العزيز