في شؤون البغال والبعض من الحمير

عند قيامك بتسيير معاملة تسوية شأنك العسكري في إحدى شعب التجنيد الحلبية ، مرغماً لا مخيراً تتنقل بين المباني المتباعدة عن بعضها بحثا عن شخص تجهل اسمه الحقيقي ولا تعلم عنه سوى رتبته العسكرية وأن شحطة قلمه ستمنحك مرحلة جديدة .. تماماً كمبدأ السباق والمراحل في لعبة Need for speed بإتمامك المرحلة تفتح لك مرحلة جديدة ومضمار جديد عليك خوض أغواره .

بعد إنهائي ( الدويخة ) الأخيرة في تلك المنحنيات والمتاهات البيروقراطية ، عليّ شكر الله لكوني من القلة القليلة الحاصلة على الإضافات الخاصة بالمواطن السوري النموذجي المتمتع بفروة رأس سميكة لا تشعر بالحر والكلأ ، وقدرة استثنائية على بلع الشتائم والإذلال من العساكر المنتشرين على أبواب أصحاب الأقلام .
فالإنسان الطبيعي غير النموذجي وغير المقلّم جسدياً ونفسياً ، عادة ما يولد خائفاً من الوقوف لساعات تحت أشعة حزيران وبخوفه الفطري هذا يغيب عنه ملاحظة كون مبنى شعبة التجنيد في حلب أحق ليكون تابعاً لوزارة الآثار منها من وزارة الأمن العسكري !!! فبمجرد تناسيك الشمس العمودية فوق رأسك وأنت تتنقل بين الأبنية المتباعدة، وبوصولك إلى مرحلة نقل التركيز من الذات إلى المحيط ، سيخالجك بلا أدنى شك شعوراً بأن فرنسياً يحمل بندقية يدوية سيخرج عليك من خلف احد السراديب الواصلة بين الأبنية صارخاً بوجهك Levez les mains ، أو أن واحداً من رجال تيمورلنك المغولي قد تخلف عن مجموعته ليظهر أمامك متشرداً بثيابه الرثة حاملاً بقايا الحجارة المقلوعة من أرضية محيط القلعة بأمر من قائده الشرير !

ذهابا وإيابا ولمرات متتالية بشكل غير منطقي ، تسير مع المئات المتدافعة التي تركز اهتمامها على ذاتها وعلى سخطها من المرور مرارا وتكراراً من نفس الطريق ، ولا أحد غيرك - أنت النموذجي - يلاحظ الإسطبلات المنشأة على الطريقة الفرنسية في المساحة الشاغرة لأسفل السلالم ،ووحدك من بين جميع المتواجدين يستطيع أن يستشعر الحالة التي تولدها الغرف في المباني الأثرية ، وحدك من بين المئات تستطيع أن تدرك بصفو ذهنك وطولة بالك انك أخطأت حين فرّقت بين تلك الغرف وبين الإسطبلات الخارجية .

فبملاحظة بسيطة منك ( أنت النموذجي في الدنيا المرفّه في الآخرة بحسب مفاهيم الأديان ووعودها المؤكدة ) وباستعراضك مواصفات الغرفة التي تقف مطولاً بالطوابير أمام أبوابها ، من الأراضي المتسخة والجدران المسودة لدرجة تخال بها أن قنبلة انفجرت بالقرب منها ، والحرارة العالية التي يصعب على الإنسان الطبيعي تحملها ،إضافة إلى الصراخ المستمر المرفق ببعض الشتائم المستوحاة من بيئة الإسطبل ، مروراً بالرائحة النتنة القاتلة ، انتهاءً بالبغال الجالسة وراء المكاتب . ستتأكد من أن لقب إسطبل لم يكن سهوة مواطن مشوّب أو فشة غل آخر معصّب .

قد يكون كل ما كتب في الأعلى ليس أكثر من فزلكة إنسان منكدة عيشته، يحاول استعراض عضلاته في الوصف والتعبير عن سخطه
يبقي بعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة أسئلة يتيمة من أب غاضب وأم عاهرة
هل من المطلوب من الفرد العادي الانخراط ضمن جاموقة الحياة العسكرية برتابتها وأساليبها الصارمة بالتعامل مع الأشخاص المدنيين ؟
وهل من المفروض أصلاً أن يكون لكل إنسان حياة عسكرية عليه تدبير شؤونها أو خوض أغوارها ؟
ولماذا لا تتقدم إحدى مواقع المساواة بين الرجل والمرأة بالمطالبة باشتمال عامة النساء ضمن منظومة أداء الخدمة العسكرية الإلزامية ؟ كيف غفل عن المراصد الحقوقية المطالبة بشرف الدفاع عن الوطن ؟ أم أن أفكار المساواة ومبادئها الشرقية ليست أكثر من قيم معلّبة من التجارب الأوروبية النابعة أساساً من مجتمعات مختلفة تركيبياً وفكرياً واجتماعياً عن حياتنا الشرق أوسطية ؟

وعلى سيرة الإسطبلات والبغال
قلة قليلة من السوريين تعلم أن المكان الذي تشغله تجمع كليات الهندسة في جامعة حلب كان إسطبلا لثكنة عسكرية فرنسية متمركزة خارج المدينة ، ومع ذلك تؤكد الكتب والمراجع التاريخية والذاكرة الشعبية أن الفرنسي بجلائه عن أرضنا ترك خلفه سكة حديدية وشبكة للصرف الصحي ( لا يزال جزئها الأكبر فاعلاً حتى اليوم وفي ذلك علة لحدوث فيضانات في الصرف الصحي عند هطول الأمطار بشكل مستمر في ثاني أكبر المدن السورية ) وتغفل عن ذكر حادثة ترك الفرنسي بعض الحمير في ثكناته السابقة مع العلم أن بعض الحمير تلك قد وصل لرتبة وكيل وعميد والآخر اكتفى بلقب دكتور ومكتب يعرض عليه شهاداته المفصلة على حجم اسمه !!

وأيضا وأيضا وحتى لا يكثر الحديث عن البغال فتغار الحمير وهي صاحبة نصف جينات المذكور
صورة من وحي أجواء كأس العالم


ويا حيفك يا انكلترا .. حكم حمار ما بدا نقاش