إلى أحمد منصور : عن أي سوريا تتحدث ؟
أثار احمد منصور إعلامي قناة الجزيرة في برنامجه "شاهد على العصر" حفيظة الشارع السوري حكومة وشعباً بقوله :
"أنا فوجئت.. خالد العظم وأكرم الحوراني في مذكرات كل منهما يقولون: حركة 28 أيلول 1961 قوبلت بالتأييد من أكثرية الشعب والجيش ما عدا مجموعات صغيرة خلفتها أجهزة المخابرات المصرية في سورية، هو الشعب السوري ده إيه؟ يوم يطلع لعبد الناصر يبوس، لا مؤاخذة، حذاءه ويشيل عربيته من عالأرض، وبعد شوية يطلع يؤيد الناس اللي ضد عبد الناصر"؟!
إذا كان رأيك يا أستاذ منصور أن التأييد الشعبي يساوي بمضمونه عملية تقبيل الحذاء فهذا رأي شخصي بك ولا أعتبر نفسي كسوري معني بالرد عليه لأنك بذلك تصف جميع سكان المعمورة من البلدان التي تنتخب بشكل حر وديمقراطي شخصاً لمنصب رئيس للجمهورية وتمانع في ولايته الثانية بشكل حر وديمقراطي انتخابه بأنه شعب يقف فجأة بوجه من قبّل حذاءه !
ولا أعتقد أن عليّ النزول والحوار بلغة تقبيل الأحذية .. فلا منفعة من النقاش بها ولن تحقق أي نتيجة تذكر لذلك سأهمل عمداً لا سهواً الجزء الخاص بتقبيل الشعب السوري حذاء عبد الناصر . وسأكتفي بمضمون قولك - بما معناه - أن الشعب السوري مزاجي بسيط وغوغائي يسهل قيادته والتحكم به وإقناعه .
وقد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة لسوريا اليوم .. أي سوريا التي جل ما يمكن لأبنائها فعله تبادل رسائل الفايس-بوك والدعوات لمقاطعة شركات الخلوي في آخر الشهر ولمدة يوم واحد !
أما سوريا الأمس وبالتحديد فترة الجمهورية المتحدة وما قبلها من سنوات ابتدأت بانتهاء الانتداب الفرنسي فلا أعتقد أن الشعب حينها قد كان خاضعاً خنوعاً يسهل قيادته أو أن إرادته ورغبته قد كانت متغيرة بين ليلة وضحاها . ولنقرأ في تاريخ ذلك الشعب لنحكم عليه إن كان عاطفياً أم لا .
اختيار الشعب السوري للوحدة السورية المصرية كان حلاً لا يتعارض مع التوجهات القومية العريضة للشعب أي أنها لا تتعارض بتاتاً مع الفكر القومي العربي المنادي بإقامة مؤسسة قيادية وحدوية تشمل جميع الدول الناطقة بالعربية والذي كان حينها كتيار قومي فكري الأكثر ظهوراً في الشارع السوري الذي لم يستطع حينها إيجاد انتماء له ( بعد نصف قرن من الاحتلال العثماني تلتها حكومة الانتداب الفرنسية ) أفضل وأنسب من الانتساب للأمة العربية . إضافة إلى كون خيار الوحدة في تلك الفترة لم يكن مجرد تحقيق لرغبات قومية ينادي بها الفكر العربي بل كان منفذاً وحيداً للهروب من خطر الشيوعية الذي طارد الشارع السوري بكافة أطيافه . وما كانت لتتم الوحدة مع مصر لولا إرادة الشعب الحر ولولا رضوخ القيادة السورية المتمثلة بشكري القوتلي بالتنازل عن الحكم لمصلحة إرادة الشعب بالوحدة ... وهذا الفعل لا يصلح تسميته بالاستجداء أو الانسياق بل كان فعلاً حراً ناتجاً عن انتخاب تجلت فيه الديمقراطية السورية بشكل واضح وصريح لا يقبل التشكيك .وعلينا أن نتذكر أن الوحدة السورية المصرية لم تكن مقابل انحلال سوريا ضمن المجتمع المصري وانصياع الشعب لما ترتئيه الحكومة المصرية . بل كانت عملية تبادلية بموافقة شعبية لإيجاد صيغة جديدة ( الجمهورية العربية المتحدة ) وبكل الأحوال لا يمكن وصفه كخطوة دبلوماسية بتقبيل حذاء رئيس دولة مجاورة كي يبسط سيطرته ويضم دولة أخرى لدولته . فقد كانت مشاركة ووحدة لا استجداء وانصياع ورضوخ كما يظهر في كلامك أو على الأقل كما فهمت أنا مما قلت .
أما عن تأييد الشعب السوري للانقلاب ووقوفه بالطرف المقابل من قضية الوحدة السورية المصرية . إذا عدت يا أستاذ أحمد لتقرأ عن سبب تأييد الشارع السوري للانقلاب على حكومة الوحدة ( وللتفريق فقط لم أقل الحكومة المصرية ففي ظل الوحدة لم يكن هناك حكومة سورية وأخرى مصرية بل كان هناك قطاع شمالي وقطاع جنوبي ضمن هيكلية واحدة لمؤسسة قيادية واحدة ) فستجد أن الممارسات التي اتبعتها حكومة الوحدة على المستويين الأهم الاقتصادي والسياسي شكلت مجتمعة دافعاً كبيراً ورغبةً أصبحت فيما بعد مطلباً للشارع السوري بالتخلي عن تلك الحكومة والتخلص من ممارساتها التي لم يكن ليرضى الشعب السوري عنها يوماً . وحتى اليوم بعد نصف قرن من أفول أيام تلك الحكومة الوحدوية لا يزال الشارع السوري على علم بالمصائب التي ألحقت به من تلك الأيام ومدرك لنتائج أفعال تلك الحكومة وممارساتها السلبية بحقه .
فقيام جمال عبد الناصر بتأميم الشركات الصناعية والمعامل الخاصة والبنوك التجارية جريمة اقتصادية لا تغتفر بحق الشعب السوري ، خصوصاً أنها لم تشمل فقط طبقة الأغنياء ( مع أنها فكرياً ومن ناحية الكفاءة تعتبر الأقدر على قيادة مشاريع التنمية والاستثمار لتراكم خبراتها وانخراطها الكافي ضمن دائرة القيادة) بل تعدت بشكل سافر لتشمل الطبقة المتوسطة ( والتي عادة ما تكون مقياس سلامة الدولة اقتصادياً ) والتي تحولت بسبب التأميم إلى شريحة الفقراء لم تستطع النهوض حتى بعد سقوط حكومة الوحدة بل بقيت في أدنى مستويات الفقر . وما واقع الشارع السوري الآن إلا امتداداً لمنهجية الوحدة التي أوقفت تطور متوسطي الدخل وأعادتهم لمنطقة الصفر ليظهر بضعة حيتان من الرأسماليين الاحتكاريين ليقوموا ببلع البلاد بما فيها . قد لا تكون حكومة الوحدة السبب الرئيسي والوحيد وراء ما آلت إليه أمور سوريا الحالية من رأسمالية احتكارية إلا أن إغفال دورها بمساعدة من يحتكر السوق الاقتصادية اليوم في الوصول لمراتبه الحالية أمر لا يمكن القيام به وادعاء الأمانة التاريخية في البحث بآن واحد .
وإن استطعنا بيوم من الأيام نسيان التأميم الاقتصادي ومشاكله هل لنا أن ننسى السياسات الاستبدادية في المضمار السياسي من قبل الحكومة الوحدوية واعتماد صيغة الحكومة القائدة للدولة بطرق أمنية والاستعانة بجهاز الاستخبارات المسلط على شعب الداخل ، ألم تكن إحدى شروط عبد الناصر للدخول مع سوريا بوحدة مشتركة حل جميع الأحزاب السياسية السورية وإعدام أمل الفكر الديمقراطي السوري الذي كان يحاول آنذاك الوقوف على رجليه ؟ أليست جريمة بحق الحياة السياسية للشارع السوري ؟
مع العلم أن الأحزاب التقدمية في الشرق الأوسط قد ظهرت أولا في سوريا وأن الفراغ السياسي الذي خلقته سنوات الوحدة الثلاث قد كلفت الشعب السوري غالياً ويكفي أن نقرأ التاريخ لنجد كيف عادت سوريا بعد الانقلاب العسكري على حكومة الوحدة إلى استكمال سلسلة الانقلابات ( جميعها تم بشكل عسكري ولم يتم أي واحد منها بشكل سياسي أي أنها جميعا حدثت بقوة السلاح نتيجة غياب الثقافة السياسية في الشارع السوري ) بالرغم من أن حكومة القوتلي قبل الوحدة كانت قد وصلت إلى مستوى عالٍ من التأييد الشعبي والرضا على التعددية السياسية كدليل على فهم الشعب السوري عامة السياسية والصيغة المناسبة للحكم .. كل هذا العناء أعادته حكومة الوحدة لنقطة الصفر لتقتل فكرة التعدد السياسي وتعيد للضابط العسكري إمكانية الخروج من ثكنته ومحاصرة القصر الرئاسي والتسلط على الحكم بصيغة أحادية لا تمس أسس الفكر السياسي بصلة .
نقطة أخرى : أعتقد انك كإعلامي عليك تذكر أن "بعد شوية" لم تكن أياماً أو أسابيعاً أو حتى شهوراً بل كانت ثلاث سنوات ، أكثر من ألف يوم كانت كفيلة ليعيد الشعب تقييم موقفه واتخاذ الإجراءات التي يجب عليه اتخاذها . والبساطة والمزاجية التي رأيتها بتبديل رأيه "بعد شوية" من الزمن ليست إلا اختيار حر لشعب يرفض أن يساق مع القطيع ويرفض أن يطبق عليه ما لا يريد ويعبر عن إرادته بكل الطرق الممكنة .
قد تكون جنسيتي السورية سبباً مباشراً للدفاع عن الشارع السوري ، لكنني صدقاً أقول أنني لم أكن لأدافع عن نفسي وعن شعبي الحالي لو قلتَ أنه مستعد للتطبيل والتزمير لشخص ليرميه "بعد شوية" بالحجارة . فالذي حدث مع عبد الحليم خدام خير دليل على غوغائية سوريا اليوم .فخدام حتى آخر يوم من أيام وجوده ضمن هيكلية السلطة لم يجرأ أحد ما على انتقاده أو توجيه أصابع الاتهام إليه .حتى ترْكه السلطة وإعلانه الانقلاب على الحكم لحينها فقط تجرّأ مجلس الشعب على الاجتماع وفضح ملف النفايات النووية في الصحراء السورية وعمليات الاختلاس والسرقة وكأن مجلس الشعب ( الذي هو موجود أساساً للتعبير عن رأي الشعب والعمل لمصلحة قضاياه ) لم يكن بعلم بممارسات ذلك المجرم بحق الشعب السوري قبل أن يعلن انفصاله وثورته ومهزلة الغوغائية الشعبية شملت بردائها الرث رواد المسرح الوطني الذين قاموا في تلك السنة بإدخال مقطع ( خدّام ورح تضلك خدّام) في مسرحياتهم نتيجة إعطائهم الضوء الأخضر لذكر اسم هذا الشخص في نصوصهم التي يفترض أن تكون واعية ومثقفة وتضع يدها على جرح الحياة السورية !
فبالفعل يصح القول أن شعب سوريا اليوم غوغائي عاطفي يسهل قيادته ولا يملك أدنى منطقية في التعامل مع أبعاد الحياة السياسية ويفتقر للحنكة والحكمة باتخاذ مواقفه مما يحدث من حوله ، أما سوريا الأمس فلم تكن أبداً بذلك .. والتاريخ خير شاهد على ما أقول .
فإن فكرنا بالمنطق الذي يقول أن وصول الوطن ( إي وطن كان ) إلى الهاوية السياسية والاقتصادية والفكرية ، يفرض على أبناءه الوقوف معاً في وجه الحكومة الحاكمة والصراخ مطالبة بالحقوق أو كحل آخر التخلي عن تلك الحكومة بشتى الطرق الممكنة تحقيقاً لإرادة الشعب الحر ورغبته باختيار المناسب له وهذا ما تم في سوريا الحرة الديمقراطية .
في النهاية لا أنوي معاتبتك على الكلام الذي قلته بحق آبائي وأجدادي أو مطالبتك كإعلامي تعمل لمصلحة قناة مستقلة بالموضوعية والحياد بل العكس تماماً أريد شكرك من أعماق قلبي على إعادة فتحك قضية اختيار الشعب السوري لقراراته وعمله الدءوب على إيصال صوته . لنتذكر كيف كان لآبائنا المقدرة على التعبير عن آرائهم بكل قوة وثبات دون الخوف من العواقب أو النتائج إيماناً منهم بضرورة علو إرادتهم فوق كل سلطة لتخترق الحواجز .. كل الحواجز المفروضة للتضييق عليهم وعلى اختيارهم الواعي والحُر.
الكلام الوارد هنا سليم 100% و احمد المنصور برأي غير جدير باللقب الإعلامي لان حامل هذا اللقب وبرأي يجب أن ينم عن ثقافة واسعة و دراية كاملة للأحوال التي يتحدث عنها .. كلام سليم و تعليل واضح لتغيير الرأي السوري من ناحية الوحدة وخلال فترة ثلاث سنوات , و السبب المبين هنا برأي اكثر من كافي
ردحذفتحياتي جو لمشاركتي رأيك
ردحذفأختلف معك بخصوص أحمد منصور
فهو اعلامي مميز بآراءه ومعرفته إلا أنه سقط في فخ الموضوعية فلم يستطع أن يفرّق بين انتماءه المصري وواجبه الاعلامي !
بكل الأحوال بحسب ما قرأت مأخراً قامت الحكومة السورية بمتابعة الامر حقوقياً
اهلين بالجيكاوي ابو الزوز
الله يعين اللي بيوقع.. ما عجبوا الا هالشعب اللي بدو من الله شغلة وناطرها!! يلا أكلها هالمرة بلا طبخ بس بيستحقها
ردحذفهل أذا قلنا لشعب سوريا وحكامه أنذاك بأنه سيأتي يوم من الأيام يصف فبه بعض الأوغاد عشقكم للعروبة ذل وأن تطلعكم للوحدة سذاجة وأنكم شعب ( عاطفي وينضحك عليه) هل كانوا أقدموا على ما أأقدموا عليه من حب عبد الناصر وحب العروبة والعرب , وهل كانوا ضحوا بكل غال ورخيص من أجل العروبة والعرب الم تخسر سوريا الجولان الحبيب من أجل العروبة والعرب وقدمت ألاف الشهداء من أجل العروبة والعرب ........(أحمد منصور انك لا تساوي بقيمتك حذاء طفل سوري)
ردحذفلا يهمني ما قاله منصور عن سورية التي يحير تاريخها جميع الدارسين ،وأحمد منصور إنا عبر عن اندهاشه من سرعة التغيرات السياسية في سورية والتي إن نظرت إلى تاريخ أي أمة أخرى لن تجد لها شبيها، إلا أن مقارنتك بين سورية الأمس وسورية اليوم لتبكي القلب فأبناء أولئك الذين ضرب بهم المثل بالوعي والكرامة أصبحوا اليوم إمعة، لا يجرؤون على الاعتراض إلا عندما يسيرهم الحاكم إلى ذلك، فترى الجمبع تحولوا إلى خبراء بما بتعلق بالزعبي والخدام بعد أن خرجوا من تحت عطاء السلطة، ويتحركون بالآلاف لتكسير السفارات الأمريكية والبريطانية عام 1998 وإحراق السفارة الدنماركية في 2006.
ردحذفولكن مع اعتراض الناس "في قلوبهم" على تخبيصات الحكومة، والقوانين العائدة لما قبل التاريخ، تراهم إنما يسبحون بحمد الحاكم المنعم عليهم بكل ما تشتهيه الأنفس من كرامة وحرية وعزة وإباء وصمود وتحدي، لأن الخبز من الكماليات التي لا حاجة لها في هذه المرحلة (1963-اليوم).
btfhzchncrh
ردحذف