الضباب


نقرا كثيراً عن مصطلح "الضبابية" في وصف التحركات والتصريحات والمصطلحات السياسية وقد شاع استخدامه كرديف معاكس للشفافية أو للتعبير عن مصطلح لا يمكن تحديد المعنى المراد منه بدقة ، أي الكلمات التي تحمل الكثير من أوجه التفسير التي يتوه القارئ أو الباحث في عملية تفسيرها .
إحدى الحكايات السياسية الطريفة تتحدث عن الضباب بمعناه الفيزيائي ، جرت احداثها عام 1971 في مصر، ضمن فترة حكم الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي قام منذ استلامه الحكم - أواخر شهر كانون الأول من عام 1970 - بشن حرب "نفسية" على الكيان الإسرائيلي ، استمر بحربه النفسية تلك ليسجل التاريخ أنه قضى طوال عام 1971 يدق طبول الحرب ويقول أن عام 1971 " عام الحسم " إما سلما أو حربا .

ومع أن مصطلح "الحسم" ضبابي هو الآخر كالرواية المرتبطة به إلا أن المعلومة الوحيدة التي يمكننا استقائها من هذا المصطلح تبشر الشعب المصري آنذاك بأن نهاية عام 1971 ستعلن عودة سيناء إلى الخريطة المصرية بعد أن اقتطعت منها في نكسة حزيران عام 1967.

انتهى عام 1971 دون أي حسم يذكر ، وبدأ حينها الشعب المصري يعبر عن استهجانه لتخلف الرئيس عن تنفيذ مضمون وعده بتناقل نكتة تقول أن الرئيس المصري قد أصدر قراراً جمهورياً باعتبار عام 72 امتداداً لعام 71 ومحرم على أي فرد استخدام الرقم 72 بشكل مفرد ومستقل .
وكان على السادات ايجاد المخرج الذي يحفظ فيه ماء الوجه ويبرر به للشارع المصري عدم قيام مصر بالهجوم على إسرائيل خلال عام 71 ، فلم يجد سببا إلا الحرب الهندية الباكستانية وحكاية "الضباب" ، قال "بما معناه" السادات :

"لقد أمرت القوات الجوية ذات يوم بأن تقصف قوات العدو المتمركزة شرق القناة ، فلما ذهبت طائراتنا إلى المنطقة وجدت أن هناك ضبابا كثيفا يغطي المنطقة ويحجب الرؤية ، فعادت إلى قواعدها دون أن تنفذ المهمة التي كلفت بها ، فأعدت تجديد امر الهجوم لتقوم القوات الجوية بتنفيذ المهمة بعد ساعة من عودة السرب الأول ، سيكون الضباب عندها قد انقشع تماما من فوق المنطقة ، لكن قواتنا الجوية لم تتمكن من تنفيذ المهمة للمرة الثانية لأنها وجدت أن الضباب كان مازال موجوداً ، فأمرت بتكرار العملية للمرة الثالثة ولكن طائراتنا عادت للمرة الثالثة دون أن تستطيع تنفيذ المهمة وهنا قال " خلاص بأه ، يمكن ربنا مش عوزنا نقوم بهذه الضربة "(*)

وبعد هذه القصة المثيرة انتقل السادات إلى قصة الحرب الهندية الباكستانية ونسب الضباب المعيق للقوات الجوية للحرب القائمة آنذاك بين الدولتين ، وأنه لولا تلك الحرب والضباب المنبثق عنها لكان عام 71 عام الحسم كما سبق وأن قال !!

إلا أن الشعب المصري المشهور بخفة دمه استطاع تحويل قصة الضباب تلك إلى مادة جديدة للسخرية ومنبعا لا ينضب من قصص الاستهزاء والنكتة المتجددة .

---------------------------------------
* : نقلا عن يوميات سعد الدين الشاذلي رئيس اركان القوات المسلحة المصرية في تلك الحقبة

تعليقات

  1. وهنا قال " خلاص بأه ، يمكن ربنا مش عوزنا نقوم بهذه الضربة"

    و كالعادة .. كل مصيبة بتنحط بضهرو.. انو عادة الناس بتقول الله يعينو
    بهاي الحالة شو التعبير الصحيح؟
    يعين حالو ؟!... مممم بدها صفنة هاي :)

    ردحذف
  2. أنور السادات بطل السلام والكلام والمنام..
    لم يفعل أي شيء غريب عن قطيع الحيوانات الفكري الذي جاء منه...

    تحياتي غابريل ...بس اتفقد ايميلك التاني من بعد اذنك، وشكرا

    ردحذف
  3. غابريل...
    الموعد صار من الساعة 11 حتى 12 يعني اذا فيك تجي بينتظرونا عالـ 12 لأني أنا كمان جاي من طرطوس...

    تحية ومافي مشكلة اذا ما فيك تجي...بس خبرني..مو أكتر

    ردحذف
  4. حلوة هالقصة
    هي بتثيت القول .. واصبروا ان الله مع الصابرين .....:-(
    المشكلة انو هالصبر امتد لعام 73 ( ما بعرف كيف انحل الاحراج .. ويمكن انتهى وقتها ) والكارثة ما بينت نتائج هالصبر لعام 78 ....

    ردحذف
  5. انور متلو متل غيرو....يعني غيرو شو عمل ...كلو علاك بعلاك

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى