جنون ليبرالي




أرسل العقل أمرا فجائيا بالقشعريرة لكافة أعضاء الجسم كعلامة لاقتراب مرحلة التغيير الشامل والسير نحو الأمام بعكس واقعنا المبرمج على السير نحو الخلف .

تعجبت العين من القرار الفجائي وعملت على جمع بقية الحواس في اجتماع استثنائي للتناقش في حالة العقل ومدى جدية قراره وصلاحيته . افتتحت الاجتماع بقولها : " يا أخوتي الحواس ، عاهدتموني منذ تكويننا مرشدكم الأمين وموجه خطاكم السديدة، أقسم لكم أنني على علم تام بأن التغيير بعيد كل البعد عن مكاننا ، فلم أرى لحد الآن سواعد يقطر العرق منها أو حتى أخيلة مناجل مرتفعة .وأقسم أنني لم أرى في حياتي عقول مفكرة أوأقلام واعية فعلى أي أدلة استند العقل في قراره الفجائي هذا ؟ ألا تشعرون بضعفه وعشوائية قراراته غير المبررة ؟ البارحة أجبرني على قراءة كتابين عن العدالة والمساواة وتفاعل بفرح مع اللحظة تلك في الوقت الذي يتوجب عليه الحزن والأسى لغياب المفهومين عن واقعنا !! "

أصغت الأذن هنيهة لحديثها ثم قالت محدثة صديقاتها من الحواس : "بالفعل ، أين ذاك التغيير الذي يحدثنا عنه ؟ صحيح أنني لم أواكب أي حدث يصح الاستدلال عليه بتعبير "منعطف تاريخي داخلي " لكنني سمعت مرة على لسان رجل كهل أن حالة التغيير التي يطالبنا العقل بالتفاعل معها تتزامن بعلو كثير من الأصوات لدرجة تستطيع فيها كسر جدار الصمت المفروض من أصابع رجال الأمن والسياسة وأن دوي صوت المطالب بالحقوق يستدعي الصراخ في كثير من الأحيان تظاهرا أحياناً وألما أحيانا أخرى ، ومن موقعي كمستشعر الأصوات الوحيد في الجسم أؤكد لكم أن صوت الصمت لازال على حاله كما عهدته لحظة ولادتي ، فعن أي تغيير يتحدث ذلك العقل العجوز ؟ "

لم يستطع الأنف كبح نفسه عن التدخل في عرض الحديث قائلا : " فليساعدني أحدكم على فهم هذه المعضلة ، كيف يعلن ذلك العقل الخرفان اقترابنا من التغيير ورائحة الفساد الكريهة منتشرة في كل المعمورة حتى أنها تعم عرفة الجسد الذي يعيش فيه والثياب التي يتستر بها !! وبحسب خبرتي أجد أن الرائحة لا تتناقص أبدا لا بل تزداد قوة يوما بعد يوم !! أي عطر ذاك القادر على محو تلك الرائحة من أنوفنا ومن مناطق تنبيهنا وتحسسنا ؟ ألا يجب عليه أن تكون فعاليته وقوته قادرتان على خلق المستحيل ومحو رائحة العفونة من تاريخنا ؟ إن كان كذلك فلماذا لم اشعر بالتغيير ورائحته لحد اللحظة ؟ للأمانة أقول قد يكون التغيير الذي يحدثنا عنه داخلي الحدوث أي أن العقل ذاته سيكون شرارة التغيير التي طالبنا بالاستمالة طربا لقدومها .. لأن رائحة الدماء الزكية قادرة على .."

" رائحة النجوم أقرب لك من فرضيتك " تلفت الأنف ليرى شخصية محدثة بالطريقة المتعالية تلك فوجد أمامه العضو الأكبر حجما ، الجلد ، الذي أكمل قائلاً : " من المعروف أن الثورة والتغيير يولدان من رحم الأحزان فعن أي شرارة داخلية تتحدثون وأنا على علم تام بأنني لم أذق يوما طعم الألم أو حتى القيود ، الكائن القابع بداخلي لا يحمل أكثر من أحاسيس متعارضية وعشوائية ينشرها عقله الحالم في تفكيرنا وتفاعلاتنا الحيوية يوهمنا بها أننا قادرون على فعل تغيير في الحياة أو أن التغيير قادم لا محالة ، أفيقوا يا رفاق أفيقوا يا زملاء أفيقوا .. "

تابعت جميع الأعضاء والحواس جلستها الاستثنائية المخصصة للتعبير عن استيائها من العقل الكهل المصاب بالخرف ، اختتمت الجلسة في ظل الأدلة القاطعة التي قدمتها الحواس بإجماع الآراء على التعاضد سوية لرفض لكل قرارات العقل وأوامره ومطالبه والتأكيد على عدم أهليته شغل منصب قائد للجسد الذين ينتمون له ، وتم الاتفاق على صيغة موحدة لموقفهم" انفصل العقل عن صوابه " .

وبذلك ازداد عدد المجانين في سوريا بمقدار فرد واحد وقلّ عدد الليبراليين بالمثل .

تعليقات

  1. قصة جميلة...
    أنا ضد الحواس تماما فالتغيير قائم وظاهر ولايمكن إخفاؤه... ولكنه للأسف للوراء...

    مع خالص ودي..

    ردحذف
  2. "لا يغير الله مافي قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم"

    ردحذف
  3. فيك تقول اني مااقتنعت بحجج "الحواس"..وواخدت صف "العقل"..وبالتالي زاد الليبراليين واحد..



    وبعد التغيير هاد كلو.. رجعنا متل ما كنا..مكانك راوح..

    ردحذف
  4. سومر :

    ظننت أن الكلام المكتوب أعلاه يعتبر أكثر الصور سوداوية في وصف واقعنا
    لكن تعبيرك ( السير نحو الخلف ) أبهرني لتوصيفه أن هناك متشاءم أكثر مني في هذا العالم

    اهلا بك وسلامي لك
    ( بعد زمان )

    ردحذف
  5. السيد/ة غير معروف/ة

    هل لك أن تحدثني بآلية التغيير التي سيقوم الله بها ؟ لنفرض أننا قمنا بالتغيير ولم "يوافق" الله على ما فعلنا .. هل سيعترضنا ويمنعنا من التطور ؟
    أرى في تعليقك البسيط ( البساطة في قصره وليس في فكرته ) تجسيد لفكر التكاسل وتعزيز لواقع الخمول - فلننتظر الله كي يتدخل ويغيرنا - .

    ردحذف
  6. ميشيل :
    ازداد عدد الليبراليين واحد .. شي عظيم !! ورجعنا متل ما كنا .. يلعن هلعيشة ، الدولاب اللي انت فيه صرنا تينين داخلينه بنفس الفتالة

    ردحذف
  7. قولتك كف ايدي .. انعكف المخ وما عاد في أمل

    ردحذف
  8. لن نرى أمان بلادنا و اهلينا حتى نتوقف عن اتباع دروب قد رسمها غيرنا فسلكناها دربي هو دربي و دربك لك انت
    عليك أن تجد دربك بنفسك... ليس بإمكان أحد غيرك أن يمشي دربك
    وليس بإمكانك أن تمشي على درب أحد غيرك... لن تصل إن مشيتَ على درب الحواس الاخرى... نعم أنتم حواس الجسد الواحد ولكن ما تيقنه انت لا تتفنه حاسة اخرى ، لذا فحين يقول الجسد لك إتبع فهو لا يريدك أن تكون واحداً من ضمن أتباع مجرد اتباع ..أتباع لأحداث وأقوال وواجبات .. بل أن تتبع فطرتك أنت حتى تجد دربك.. عليك أن تتبع اليقين داخلك انت حتى يتبعوك.
    ... . لن يساعدك درب أحد لأنك لست أحد ... أنت هو أنت.
    إن كنت تملك ما يكفي من الشجاعة لدخول المجهول ومعرفة ما لا تعرفه عن اليقين .. إن كنت تملك ما يكفي من الشجاعة لعبور الليل الطويل دون حتى أن تعرف إن كان هناك من آخرٍ للّيل أم أن نهايته لم تأتي بعد..
    نحن من اسرنا عقولنا لأن من يطالب غيره بحرية فهو يسلم ان عبد له
    نحن احرار العقول والقلوب وليس احرار اللسان و اليد
    نحن لسنا اتباع احد لنمجد و نعظم ... كلّ منا محاسب عن نفسه فليحسن اختيار دربه حتى يصل لامله
    ان اتبعت درب الحشد هنا او هنا فقداخترت الطريق السهل السريع كي لا تخاطر ولا تجازف بأي شيء، كي لا تبحث عن شيء. أنت تلحق الحشود أينما كانوا وتنفّذ كل ما قالوا...
    أنت وحدك تبحث وحدك. راجِع حياة كل حكيم وسوف يعرف قلبك لماذا اختار كلّ منهم أن يمشي وحيداً على الدرب بعيداً عن الحشود والمجتمعات.

    الامل يحترم نور روحك لكنه لا يحترم ظلام الحشود.
    الامل يحترم الحرية لكنه لا يحترم ما اتفق وتوافق على صحّته المجتمع. الامل لا يتبع أي كتب للتاريخ او عادات وتقاليد فهو تمرُّد عظيم.
    الامل درب لا درب له... درب عليك إيجاده بنفسك فهو ليس موجود ينتظرك ولم يعدْك به أحد من قبلك.
    الامل يعلم بأن من يفرض على نفسه من الخارج ليس سوى عبْد يحيا بين قطيع خرفان.
    فالخلق القويم نسيم يهبّ من داخل النفْس حين تصبح جاهزة مستعدة لمشاركة النسيم. عندها أنت سيّد على نفسك. لكنك وإن فرضتَ أمراً وواجباً على حياتك فأنت صاحب ادعاء والإدّعاء يولّد النفاق. فالفوضى والصراع والتخبُّط والإضطراب لا تزال جميعها تحيا في عمق أعماقك تنسج كوابيسك وتُخرِج أحلامك. ولماذا تهرب من فوضاكَ واضطرابك وهاجسك وصراعك؟ واجهها جميعاً واجلس معها وحادِثها وبينك وبين نفسك أخرِجها واسألها... إقبل التحدي الذي تعرضه عليك وتحدّى... قبولك التحدي هو خطوة نحو ولادة النظام والخلق الحقيقي داخل كيانك قبل خارجها. إنه نظام ولِد من رحم الفوضى لا من مقبرة تاريخ و عادات وتقاليد... وهكذا نظام له نوعية مختلفة تماماً ومستوى مختلف تماماً عن النظام الهشّ الذي يُفرض على الإنسان من الخارج. نظامٌ ولِد فيك هو، نظام نديّ جديد لم يُتعبه من سبقك ويفصّله على مقاسه أو مقاسك. الامل لا يرضى بتاريخ من الدرجة الثانية، وهذا الامل هو أرفع المستويات.
    لأجل هذا الامل لابدّ من شجاعة وِسع الأرض والسماء. شجاعة تؤهّل صاحبها ليمشي دربه وحده والمخاطر حوله من كل مكان، فلا أحد سيكون معه بل الجميع ضدّه فلا أحد يفهمه ويستوعبه والكل يتسائل ماذا حدث له... شجاعة تؤهّل صاحبها ليكون دون حماية وضمان، فمع الحشود هناك الحماية والضمان والأمان. مع الحشد تشعر أنك في أمان وأنهم لمعرفة الحقيقة هم الضمان. لكن بسبب هذا الحشد تضلّ الدرب الذي لا درب له وهكذا ضاع الجميع... مع الحشد أنت تضلّ الطريق، طريق البحث عن حريتك و املك طريق البحث عن احلامك الخاصة انت لا حلم غيرك ، فلا تعرف نفسك وتظنّ أنك عارفٌ لدربك.

    ردحذف
  9. هل سمعتُم حكاية سمعان وفهمان؟
    كلاهما كان جالساً في أحد الأيام في محطة قطار ينتظران قدوم أحد ما. كلاهما جالسان ينتظران كما كل البشر في هذه الدنيا تنتظر حدوث شيء ما أو قدوم شخص ما.اليوم لم يحدث شيء، لكن الغد هو الموعد المنتظَر لحدوث ذلك الشيء.إنه بؤس العقل البشري. قد أفلتَ هذا اليوم وهذه الساعة من يديه على أمل لقاء ما يرجوه خياله يوم غد.

    وهذان الشخصان جالسان في الإنتظار. ينتظران قدوم أحد ما. يبدو أن هذا ال(أحد ما) يعني الفرج الإلهي بالنسبة لهما. والفرج الإلهي والعرفان الإلهي لا يأتي من عدمٍ أو فراغ، لأنه الحال الذي أنت غافلٌ عنه هنا والآن. لذا سيظلّ هذان الشخصان في الإنتظار، وسيظلّ جميع البشر في الإنتظار. إنتظار انتصار أو عدل أو ارتقاء...

    لن يحدث شيء لكن البشر تهوى الإنتظار فالعقل لا يطيق احتمال العيش دون وجود أمل يلوِّح له في الآفاق ويخبره بأن انتظرني أنا قادم يوم غد ومعي أجمل الأخبار. العقل لا يطيق الإنتظار فكيف له أن يحتمل الوجود وما يحدث فيه كل يوم لو لم يحيا في ظلال سراب وهم الإنتظار؟
    الجميع في حال انتظار. وأهل الإنتظار هم مَن ضلّوا الطريق. هكذا هم البشر... ينتظرون من يأتي ليخلصهم وينقذهم ومن بؤسهم و يخرجهم منه ...
    لكن الإنتظار وعدٌ وعدوا أنفسهم به، إذ لم يعدهُم أحد بشيء على الإطلاق. لكن الإنتظار وهم من اختراعهم، من اختراع عقولهم لأن العقل يحيا ويتغذى على أمل الإنتظار. العقل يهوى افتعال ما ينتظره في المستقبل بدافع البؤس والشقاء...
    الغد هو مخدّر نافع لآلام الساعة وأوجاع اللحظات. كل الامال كما يصفها ويتمناها البشر،جميعها مجرد مؤلفات تحقق للعقل متعة التعلق بالأشياء... الجميع يريد ما يتعلق به ويرتبط به ويأمل حدوثه.
    مرددا شعارات التابع للخير او للشر ... مجرد تابع لأمل و انتظار


    سئل علي رضي الله عنه : لماذا لم يثر الناس على ابو بكر و عمر من قبلك و ثاروا عليك ؟؟؟ فقال : لأن ابا بكر و عمر قد ولّيا على مثلي أما أنا فقد ولّيت على مثلك.
    عيبنا فينا .. للنظر الى انفسنا و نلومها ولنملك الشجاعة ان نواجهها ولا تلقي المسئوليات على من يحملها لنا .. فدرب خلاصنا و تحقيق احلامنا لن يمشيه غيرنا...

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى

وسائل الاعلام " المفقودة "