لعبة جماعية اخترعتها ولم استوعب نتائجها




الملل والضجر ظهرا البارحة بشكل واضح على المراهقين الذين أعمل معهم وأشرف عليهم في المؤسسة التطوعية التي انتمي إليها ، فلا عادت طاولة البيلياردو تسليهم ولا طاولة البينغ بونغ تستهويهم .
الأمر الذي دفعني إلى اختراع لعبة جماعية بهدف التسلية ، لم أكن أبحث عن تجربة أو عن مراقبة لسلوك اللاعبين ، إلا ان طريقة سير اللعبة دفعتني للتفكير انه قد يكون هناك دلالات ومعانِ مرتبطة بها ( كما أعتقد ) وقد تكون تلك الدلالات مجرد صدف وأوهام أعيش فيها .

اللعبة تقوم على توزيع أوراق اللعب ( الشدّة )على أن يكون عدد الأوراق الذي يملكها كل لاعب تنتمي لمجموعة مضاعفات العدد ثلاثة .
يقوم كل لاعب بدوره وبشكل متتالي بتحدي الشخص الذي يجلس على يمينه . التحدي يكون بإخراج اللاعب ثلاثة أوراق من التي بيده ووضعها على الطاولة وهي مغلقة ، بعدها يقول للاعب الذي بجانبه ثلاثة أرقام قد تكون هي ذاتها الأوراق التي على الطاولة وقد تكون مغايرة لها ، وعلى اللاعب تحديد فيما إذا كان المتسابق الذي يتحداه يكذب عليه أو يصدقه القول .
أي أن اللعبة تعتمد بشكل أساسي على قدرتك على توقع صدق اللاعب الذي يتحداك من عدمه .

كمثال توضيحي : لنفرض أنني اللاعب الذي سيضع ثلاثة أوراق على الطاولة ، ووضعت على الطاولة الأوراق التالية ( 3 - 7 - 10 ) وقلت للاعب الذي بجانبي : الأوراق التي على الطاولة هي ( 2 - 3 - 6 ) ، لو كشف اللاعب خدعتي وقال أنني لا أصدقه القول عندها سأحتفظ بالأوراق الثلاثة، أما إذا قال أن الأوراق فعلا تحمل هذه الدلالات عندها سيكون توقعه خاطئا وسيأخذ هو الأوراق التي على الطاولة .
نفس الحالة في حال كنت صادقا معه في القول أي أنني قلت له : الأوراق هي ( 3 - 7 - 10 ) . لكنه شك في قولي واعتقد أنني كاذب ، عندها سيخسر هو وسيأخذ الأوراق وأنا سأفوز وأتخلص من الأوراق الثلاثة .

اللاعب الفائز هو أو من يستطيع التخلص من كل الأوراق التي بيده ، أي على اللاعب الفائز أن يحسن توقع صدق اللاعب الذي على يساره من عدمه كي لا يزيد من عدد الأوراق التي بيده ، وأن يحسن خداع اللاعب الذي على يمينه ليتخلص من الأوراق التي يملكها بأسرع وقت ممكن .

قمت بشرح اللعبة على مجموعتين من المراهقين ومن الجنسين ( ذكورا وإناثا ) .
المجموعة الأولى : أعمار أعضائها تتراوح بين ( 12 - 14 ) سنة
المجموعة الثانية : أعمار أعضائها تتراوح بين ( 14 - 18 ) سنة
ولم يتسنى لي بعد القيام بنفس التجربة على فئات عمرية مختلفة .

من خلال لعبي دور المراقب الخارجي استطعت الخروج ببعض الملاحظات التي لخصتها بما يلي :

النقاط المشتركة بين المجموعتين :
* جميع اللاعبين يبحثون عن المجموعات المتشابهة كمجموعة ( 3 - 3 - 3 ) ،لاحظت وبشكل ملفت للنظر أنه متى ما استحوذ اللاعب على ثلاثة أوراق متشابهة قام فورا بطرحها على أرض الطاولة ، وفي أغلب الأحيان يخطئ اللاعب المقابل له بتقدير صدق اللاعب انطلاقا من ضآلة نسبة وجود ثلاثة أوراق متشابه بيد اللاعب نفسه .

* كثرة استخدام المجموعات المتتالية كمجموعة ( 5 - 6 - 7 ) ، والمجموعات المتناغمة التي يسهل نطقها ، فبدل أن يسّمي اللاعب الأوراق ( 2 - 2 - 1 ) لاحظت أنه يبحث عن التناغم في النطق فيقولها ( 2 - 1 - 2 )

* لاحظت وبأكثر من مرة محاولة اللاعب الظهور وكأنه نسي الأوراق التي وضعها على الطاولة وأن الأرقام التي ينطق بها من خلق خياله ، والغريب بالأمر أن اللاعب الذي يعتمد هذا الأسلوب دائما ينطق بالأرقام الحقيقية !!


النقطة الوحيدة المختلفة بين الفئتين العمريتين والتي دفعتني لكثير من التفكير :
في المجموعة الأولى كان اللاعبون الكذبة أو اللاعبون المخادعون لا يتعمدوا الكذب بأكثر من ورقة واحدة .
أي أن الكاذب كان دائما يسمّي ورقتين صحيحتين ويخدع المنافس له بالورقة الثالثة !!
لمدة 30 دقيقة لم يكذب ولا واحد من أفراد المجموعة الأولى بأكثر من ورقة واحدة !!
بعكس أعضاء المجموعة الثانية التي وبالرغم من وجود الظاهرة نفسها المنتشرة في المجموعة الأولى ( الكذب بورقة واحدة فقط ) ظهرت حالات كثيرة كان اللاعب يكذب فيها بورقتين وثلاثة أي انه يضع ثلاثة أوراق ويسمّي ثلاثة أوراق مختلفة كليّا عما قام بوضعه على الطاولة .

بعد هذه الحادثة توجه تفكيري نحو صياغة جديدة لمفهوم الكذب ، مضمونها يقول أن الإنسان الذي يمارس الكذب والخداع يصارع نفسه أولا ليستطيع انجاز مهمته بسلاسة وسلامة ، فما الذي يقف بوجه أعضاء ما دون الرابعة عشر من الكذب بأكثر من ورقة ؟ الرقابة الذاتية أو شعوره بأنه في حال كذبه سيستطيع اللاعب كشف خدعته ؟
هل كان اللاعب هذا يحاول أن يقرب الكذبة قدر الإمكان إلى الواقع والحقيقة ؟ ما الذي دفعه للسلوك بهذا الشكل ؟
لماذا "احترف" اللاعب الأكبر سنا في هذا المجال واستطاع الخروج من قيد الرقابة الذاتية ؟

أدعوا الجميع إلى تجربة هذه اللعبة على فئات عمرية مختلفة ومراقبة النتائج ومشاركتي إياها ، ففي الفترة الأخيرة تحولت هذه اللعبة إلى هاجس يصعب علي التفكير بعيدا عنه .

تعليقات

  1. " ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين "

    ردحذف
  2. عم تجري تجارب وتدون ملاحظات :) ..بهنيك..

    صراحة انا بظن انو الكذب مو موهبي.. الكذب معرفة فيك تكتسبها..وتطورها وتنميها مع الوقت..

    انا بشعر انو فيني كون كذاب ماهر.. وبشعر انو مخيلتي خصبي جدا للكذب..دائما نحنا بحاجة للمخيلي عند الكذب..

    لأن متل ما بشوف انو خارج سياق لعبي مافي شي اسمو كذبة صغيرة.. الكذبة دائما كبيرة..وانت بحاجي لترسم سيناريو كامل مختلف عن الواقع يتماشى مع هالكذبي..وكل ما قدرت تلاقي نقط مشتركي بين الكذبة والواقع بتكون كذبتك محكمة اكتر..

    بخصوص التجربي.. بظن انو الفئة العمرية الصغيرة ما كان عندها ثقة بشكل كافي بقدرتها عالكذب..

    وبالتالي بيحاولوا قدر الامكان المقاربي عالواقع حتى لو بكذبي صغيري متل هي..

    اما الفئة العمرية الاكبر ثقتها بقدرتها عالكذب اكبر..
    نتيجة تجارب حياتية..

    وهاد عمستوى كذبي صغيري.. لكن لو كانت الكذبي اكبر..فبراهن عانون رح يرجعوا يحاولوا يحققوا اكبر قدر ممكن من التشابه مع الحقيقة..

    ردحذف
  3. الحكيم : صار لازم نغيرلك اسمك :D نأسقط لقب الحكمة عنّك :D

    ميشيل : ميرسي على التهنئة خجلتني فعلا
    تقريبا وصلانين انا وانت لنفس النقطة ، الحلو بالموضوع انه الحكي اللي انا وانت عم نفكر فيه مانه عشوائي علميا طلع في تأييد ألنا والشي المكتوب طلع بيندرج تحت ما يدعى بـ " لغة الجسد "

    بحسب لغة الجسد الطفل الصغير وقت بيكذب بحط ايده على تمه لحتى يمنع الكذبة من الخروج ، وقت بيكبر الانسان بيختفي هاد التصرف بس بيبقى عم يحاول يمنع حاله من الكذب ، بيرفع ايده لتمه بس سيطرته على حاله بتمنعه من انه يحطها على تمه وبوجهها لشعره أو لأنفه

    لهيك بحسب كتاب لغة الجسد ، الكبار وقت بيكذبوا كتير بيلعبوا بشعرن أو بحكوا انفن

    عنجد شي غريب "D

    ردحذف
  4. اي ما قلتلك اني بشعر اني كذاب ماهر.. هيك تصرفات ما موجودي عندي ابدا..

    فيني اكذب عاللي ادامي دون ما يرفلي جفن :P..

    على كل في علم كامل بيبحث بحركات وتعابير الوجه..
    بحيث انو في تعابير وجه اكتر بكتير من التعابير المعروفة الواضحة.. وامكانية ملاحظتن بتعطي فكرة اعمق عن وضع الشخص الحالي..

    وبظن البعض انو هالتعابير البسيطة الغير ملحوظة..هيي السبب يلي بخليك تشعر بصدق او عدم صدق شخص ما..وبيدفعك لتحليل كلامي اكتر..

    ومن هون انا برفض النت كوسلية تعارف..بحيث ما ممكن يصير تعارف بيني وبين شخص ماني عم شوف ملامح وجهو..


    والله يعطيك العافي متابعك ترى..

    ردحذف
  5. الهيئة في كتير افكار مشتركة بيناتنا خصوصا بنقطة التعارف عبر الانترنت
    انا كمان كتير بحط أهمية على الانطباع الأول لاني بعتبره غير موجه وغير مقصود ودائما بكون في اسباب حقيقية وراه


    بصراحة ترددت كتير قبل ما اكتب هلتدوينة .. ما توقعت انه في حدا رح يطول باله ويقراها
    شكر كبير على التشجيع المستمر

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى