نهاية روتين





اليوم تم وبنجاح عملية إعادة ضخ الدم في جسدي من جديد بعد ما يقارب الستين يوما من أخذي إجازة بلا راتب من الحياة .
فترة الامتحانات كالعادة انقسمت إلى فترتين ، الأولى امتدت لثلاثين يوماً مخصصة للامتحانات العملية وانجاز المشاريع وحلقات البحث والترجمة ، الفترة هذه أشترك فيها مع كل كليات العلوم التطبيقية . والثانية لنفس المدة الأولى ، مخصصة للامتحانات النظرية المشتركة مع كل الكليات في جامعة حلب على وجه الخصوص ومع كل جامعات سوريا الحكومية بشكل عام .

الخروج من ضغط الامتحان المتواصل لفترة طويلة لم يبعث الفرح في حياتي ، ففي أول ليلة حلمت بها طويلا لدرجة اعتقادي أنها ليلة لا وجود لها ... ليلة الجلوس بلا هموم وبلا ضغوط ، دون التفكير بالجامعة والامتحانات والمقررات والدكاترة. لم أرغب الانخراط من جديد بمجتمعي واصدقائي المنسيين بل اكتفيت بالجلوس وحيداً مع الإنسان الذي نسي كيف كان قبل هذه المدة يتحسس الهواء ضاربا وجهه ، حتى أنه نسي شكله الأصلي !! كيف لا وهو يختبئ خلف لحيته الطويلة وشعره الأشعث المجعّد .

في فترة الامتحانات أقيم طقساً من الممارسات المتعلقة بالمقررات الامتحانين ، أشجع عن طريقه نفسي للانكباب على المحاضرات الورقية والكتب الجامعية باندفاع وإصرار .الطقس يتلخص بأنني وقبل البدء بدراسة أي مقرر دراسي ، أضعه كاملا أمامي بكتبه ومحاضراته ونماذج أسئلته ومسائله الخارجية وملاحظاته الهامة ، لأقوم بعدها بنشره في كل زاوية من غرفتي محولاً الأخيرة إلى ما يشبه "سوق البالة" بحسب صرخات والدتي المتكررة "قوم لِمْ هلبالة !! " .

مشهد الأوراق المبعثرة يشعرني بوجوب الشروع بالدراسة بأسرع وقت، إضافة إلى أن المقرر المبعثر على مجموعات منفصلة يحول الكمية الضخمة والسميكة إلى رزم قليلة السمك تشعرني عند النظر إليها بشكل منفصل أن دراستها لن تستغرق مني زمنا طويلاً .

بعد انتهائي من المقرر الخاص بالمادة وفور عودتي من الامتحان ألملم الأوراق المنتشرة في كل مكان وأضعها فوق بعضها البعض لتشكل طبقة واحدة ، مشهد الطبقة المرتفعة أمامي يشعرني بالفخر بنفسي لإستطاعتي التغلب على كل هذه الطبقة خلال الأيام السابقة .إضافة إلى تحفيزه لي لأقوم بإخراج المقرر التالي من الدرج ونشره بدوره بكافة أرجاء الغرفة على أمل الانتهاء منه هو الآخر . مع المضي قدما في شهر الامتحان ترتفع طبقة المحاضرات التي انتهيت منها ويرتفع معها شعوري بالثقة لإنجازي الكثير وتخلصي من قسم كبير من الأوراق التي تملئ درجي .

يظهر الجانب السلبي الوحيد للطريقة هذه بعد الانتهاء بشكل كامل من الامتحان ، أي بعد انتهائي من آخر مقرر وعودتي إلى المنزل ووضع آخر طبقة من المقررات ليظهر البرج الورقي أمامي بصيغته النهائية .
كل مرّة أمر بهذا الموقف يزداد شعوري بالقرف من نفسي والغضب من الذل الذي أعيش به ، فالإنسان عادةً لا يقبل على نفسه المسير كالحمار معصوب العينين لا يعلم وجهته وسبب المضي قدما في طريق يدرك تماما أنه يقتل كل ما يمتاز به عقله من قدرة على التفكير والمحاكاة ويحوله إلى آلة تسجيل وطباعة .
إضافة إلى أن دائرة البشر التي يفترض أن أكون منتمياً لها لا يرضى روادها الدخول في سباق يكون الأكثر كفاءة ونجاحاً من يمتلك القدرة الأكبر على حشو كل هذه المعلومات برأسه خلال الفترة المخصصة لكل مادة لتصبح الفلاش ميموري أسطورة الأساطير مقارنة مع أكثر الطلاب "كفاءة " .

باب الخروج من الجامعة بات أقرب لي من باب دخولها
بقي أمامي أربع أبراج ورقية لأشكلها وأجلس في ظلها

أربع فترات سأشعر بنهاية كل منها أنني منبوذ من دائرة البشر

بعدها "قد" أشعر بحالة معروفة باسم "مهندس"

وقد أشعر بحالة أكثر انتشارا من السابقة ، تعرف باسم "عاطل عن العمل" .
كل فحص وانتوا بخير ... وان شاء الله تكون خاتمة الأحزان ( من باب الدعابة لا أكتر .. في قدامي 4 جنازات بس واحد بالعادة بريد شوي يتفائل بالحياة ) .

تعليقات

  1. مبروك عالنهاية السعيدة
    بس بنفس الوقت بقلك انو حتى هالمرحلة المصنفة بالسواد
    الا انها مرحلة حلوة لا بد من انك تعدي فيها حتى ترجع تحس بالاشياء الحلوة اللي كانت موجوة بحياتك وترجع تحس بطعمتا اللي افتقدتها قبل الفحص من جديد
    يعني هية متل الهزة البشعة بتصير بالبني ادم ليرجع يتزكر الاشياء الحلوة
    واخيرا هيه هيه
    اهلا بالحياة من جديد
    مبروك للكل

    ردحذف
  2. اول شي موفق بامتحاناتك و نتيجةالاختبارات اللي خلصوا و اللي رح يجوا و يخلصوا
    و في يوم رح تقول يا ريت ما خلصوا
    مش نظرة سوداوية بس ايام الجامعة ما بتتعوض ابدا الها طعم تاني
    و رح تتخرج و تصير مهندس و نباركلك و ندورلك على شغل كمان :)

    ردحذف
  3. جيتونا : ما بصنف نفسي من العالم اللي بحاجة لتخسر الشي حتى تستمتع باعادة حصولها عليها
    ما عم حس بأهمية الحياة الاجتماعية اللي عم افقدها مرتين بالسنة مع كل فترة امتحانية فصلية

    للأمانة الفصل هاد ما عم حس حالي منبوذ متل الفصل القبله أو القبله
    يعني جاية هاد أسهل علي وعلى حياتي
    بس ما بيعني انه فيه جوانب سلبية غصبا عني عم تحط نقاط سود بتفكيري

    مبروك الك كمان جيتون


    جفرا : شكرا على التشجيع
    يا الله من هلق بلشي دوريلي على شغل .. بقولولك " خير البر عاجله "
    بتكسبي فيني ثواب :D

    ردحذف
  4. احببت العبث بالحروف هنا
    رجعتني لايام الدراسة(:
    الي ما راحت من بالي ولا يوم
    مع العلم وقتا حسيت بنفس شعورك
    بس اليوم متل ما قالت جفرا الله يرحم
    هديك الايام..ما بتتعوض
    gab..كل امتحانات وانت تصل الى ما تريد
    موفق يا رب

    ياسمين

    ردحذف
  5. اهلا ياسمين
    بقدر كتير تفاعلك مع الحادثة بس عنجد سوادها مؤذي لدرجة كبيرة .. لدرجة بتحول الشخص لإنسان عصبي مانه قادر يتحمل حدا نتيجة برمجة على التعامل مع الاوراق ..الشي اللي بخليه يفقد مهارات التعامل مع البشر !!

    صدقيني لهلمراحل عم توصل معي القضية ، لمراحل عم حس حالي فيها منبوذ بشكل كامل من الحياة بلا رفيق بلا صديق بلا أهل بلا حياة بلا ولا شي ...

    اليوم طلعلي نتائج مواد كانت كافية لتأكيد ترفعي للسنة التالية شو ما بده يصير ببقية المواد ..هلشي بخليني بيعطيني شوية أمل انه الفشل الحياتي ما عم يقابله فشل دراسي .. بس عنجد الصورة سودا وشكري الله كل يوم انك خلصتي من هلتوتر والضغط

    يلا هلا فيكِ

    ردحذف
  6. ولك إلك عين وبالعينتين تنق ونق مصور وموثق على مقرراتك لك شو هالمقررات هدول مسخرة لو بتوقف عليون بيضل بينك وبين السقف متر ونص.

    ردحذف
  7. المؤيد :
    يا رجل حسبها معي
    هاي الكمية بتشكل نص الشي اللي درسته بالفصل هاد
    يعني ربع الشي اللي درسته من 9 أشهر لهلق !!
    بتضربها للكمية اللي شايفها ب 4 بيطلع معك الشي اللي بدرسه بكل سنة
    أو اضربها بـ 20 بيطلع معك الشي اللي لازم ادرسه خلال كل ميسرتي الجامعية
    قلتلي مسخرة يا زلمة دبحتني دبح

    ردحذف
  8. اي الحمدلله عالسلامة
    اول ما حكيت عن طريقة دراستك حسيتك تحكي عني. انا كمان نفس الطريقة عندي.

    الانسان ما بيعرف الحياة شو مخبيتلو و نحنا نعمل اللي علينابشان ما نتندم بالمستقبل و الباقي متل ما بيقولو على الله عالحياة عالقدر عالحظ الخ..
    من فترة كنت عم اتناقش مع شخص بخصوص الدراسة والشهادة و قالي جملة "عندك خيارين يا بتتعب ببداية حياتك و تستريح بنهايتهااو تستريح ببداية حياتك و تتعب بنهايتها و انت اللي تختار" بصراحة انا ما كتير اقتنعت بس حسيت في شي منطقي بحكيه.

    دمت لنا مو بس فلاش ميموري و هارد درايف كمان
    D:

    ردحذف
  9. عم نعمل العلينا بس ما عم شوف الضو بالطريق اللي ماشي فيه
    ماشي على "عماها" ومتقل ومسرع بالمشوة كمان

    "
    دمت لنا مو بس فلاش ميموري و هارد درايف كمان
    "
    لا خيو بلاها هلدعوات يستر على اللي ما بينستر

    اهلين بأحلى جورج :D

    ردحذف
  10. "عم نعمل العلينا بس ما عم شوف الضو بالطريق اللي ماشي فيه"
    الضوء موجود دائما بس احيانا من كثر الظلم اللي بنحس فيه ما بنشوفواو مانريد نشوفو.
    و بشان الدعوات بلاها لكان :)
    يا هلا بابو الغاب
    D:

    ردحذف
  11. لم اكن اعلم ان حملة نهاية روتينك ستتبلور بهذا الشكل
    لتاخذك من احلامك...
    حيث انها فاقت كل التوقعات
    الوداع

    ردحذف
  12. و انت بخير:)
    احلا ايام هي وقت الامتحانات و خاصه بالجامعه..بكون الواحد متحمس كتير و بس تخلص بحس بفراغ
    ( مع العلم شو ما كان تخصصك ما بعتثد هالفترة بتقلل النشاط الاجتماعي!!بالعكس بسير الواحد يحب يفوت و يطلع اكتر من كتر وجع الراس)


    يا رب يوفقك!
    تحية..

    ردحذف
  13. الطائر المهاجر ( أبو جريج ) : خلص معناها اتفقنا على حذف هلدعوات من سجل محادثاتنا :D

    جينا : في ثوابت للانسان وقت بتضيع مو بس بحس بالسواد .. بحس انه هوي ليش عايش ؟ بعتقد انا وانتي متفقين انك احد هلثوابت الي باني عليها حياتي .. الله يخليلي ياكي .

    لايتنيس : ميرسي الك ولذوقك وكلماتك اللطيفة

    ردحذف
  14. طريقة وضع الكتب على شكل برج وبعثرتها في الغرفة طابقة طريقتي عندما أدرس للامتحانات , بحس انو الفوضى أساس التركيز

    من شهر تقريبا بدأت عطلتي طويلة الأمد وخلصت من اشي اسمو امتحانات

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى

وسائل الاعلام " المفقودة "