اسرائيل والعنصرية




العنصرية مفهوم نسبي لا يحمل مقاييس محددة للاستدلال عليه ، وإن كان كمصطلح لا يحمل اختلاف الآراء إلا أن تحديده على أرض الواقع يبقى أمراً نسبياً .
فالبعض يعتبر إطلاق الدعابات العرقية نوع من أنواع العنصرية
والبعض يعتقد أن أفعال القتل والهدم الموجهة لمجموعة من الناس تشترك وحدها فقط بصفة معينة كاللون او العرق او اللغة أو الدين نوع من أنواع الصدفة وتحميلها أبعادا ودلالات عميقة ليست أكثر من فعلة إنسان موهون بنظريات المؤامرة وتوابعها .

مع اختلاف التعريف والتسميات والمقاييس والدلالات تبقى الأرقام وحيدة غير متأثرة بالقراءات ، ثابتة مهما كانت الزاوية التي تعتمد عليها في تقييمك وقراءتك ، ففلسفة العلاقات الرياضية لا تعرف التفرقة والتمييز وتفضيل شخص عن الآخر .
فقول احد ما انه " يأكل كثيرا " لا يمكن فهمه وإدراك المقدار المشار إليه إن لم يرفق بقيمة رقمية يستطيع المتلقي فهمها كأن يتبع قوله بأنه يأكل مثلا ثلاثة أرغفة خبر في فطوره ، عندها فقط سنستطيع فهم أبعاد قوله وإدراك المعنى الحقيقي المراد الإشارة له .
وفي الحديث عن العنصرية والتفرقة سنقع في نفس المعضلة .. معضلة فهم الكمية والمقدار .


آخر مشهد سياسي كان فحواه " وقوف المجتمع الدولي في وجه احمدي نجاد مستنكرا لوصف الأخير الكيان الصهيوني بالكيان العنصري . "
كلمة الرئيس الإيراني تلك كانت مجرد خطاب مفرغ من محتواه ، فقد كانت مدججة بالمصطلحات والدلالات ناقصة للإسقاطات الواقعية والحقائق المعاشة وبرأيي الشخصي كان خطاباً فاشلاً بجدارة .
صفة "فاشل" لا تتعلق بالفكرة أو بالأسلوب التي اعتمد عليهما في كلمته ، بل ترتبط بعدم تأدية مهامه من الدرجة الأولى والتي هي إيصال رسالة فحواها واضح جدا " إسرائيل كيان عنصري " أو بالأصح اعتقد انه واضح جدا .
قدرة وسائل الإعلام " العربية وغير العربية على حد سواء " على تفريغ كلمة الرئيس من دلالات مصطلحاته وتوجيه الإضاءة إلى الأحداث المرتبطة بالخطاب " انسحاب الوفود - المقاطعات المستمرة " ليست سوى دلالة دامغة على انه لم يحدث الأثر المطلوب ولم يوصل الأفكار المراد إيصالها منه .

أعود للنقطة التي بدأت منها .. لفكرة فلسفة الأرقام وقدرتها على توضيح أبعاد المصطلحات وإسقاطها على الواقع . فمهما كثرت الخطابات وكثرت التعبير فالأرقام تبقى أسلم الوسائل لإيصال الفكرة وأكثرها بلاغة ووضوحا .
اليوم نقرأ عن مخصصات المياه للمواطن الإسرائيلي ، بالأرقام نجد أن الإسرائيلي الواحد يحصل على كمية تعادل ما يحصل عليه أربعة مواطنين فلسطينيي الجنسية!!
أُفضِّلُ قراءة المعادلة السابقة بشكل معاكس ، بالشكل الذي يقول أن المواطن الفلسطيني القابع في وطنه والرافض للنزوح عن أرضه يتم معاملته كربع محتل ( وليس مستوطن ، فلا وجود لجذور كلمة مقدسة كـ" وطن " في وصف إنسان عنصري مجرم وإن لم يكن من يحمل السلاح يبقى مجرد داعم لكيان سفاح )

أشبعتنا إسرائيل في حربها الأخيرة عبر أبواقها العربية المعتدلة " ونِعم الاعتدال " أنها لا تستهدف المواطنين وان حربها لم تكن يوما مع الشعب الفلسطيني ، وانها مجبرة على الخوض فيها ، لا بل ذهبت ابعد من ذلك وبدأت تقدم الحلول للفلسطينيين !!
الحل بسيط جدا ، خلاص الشعب بكل بساطة يحدث بمجرد تخليه عن المقاومة ، فلا سلام في وجود المقاومة وبمجرد استمرار المقاومة فإن المواطنين سيستمر تعريضهم إلى الخطر .. ليس خطر النزوح بل خطر الموت .

لا أتعجب من ذكاء الإعلام الصهيوني في تسويق أفكاره وتحويل العنصري الممارس لعنصريته دون رادع أو عقاب لضحية اعتداء يجب دعمها والإشفاق عليها .
بل التعجب من غباء تلك الأبواق المرددة باقتناع لكلام كيان عنصري تاريخه مشبع بالعنصرية وواقعه الحالي يقدم مثالا نموذجيا لها .





تعليقات

  1. في الآونة الأخيرة ، كنا أمام حالتين مهاجمتين لإسرائيل وعنصريتها ..
    كان بطل الأولى " رجب طيب أردوغان "
    وبطل الثانية " أحمدي نجاد " ..

    اختلف الأسلوب بين هذا وذلك .
    استطاع أردوغان لفت نظر الراي العالمي للقضية بطريقة دبلوماسية مدروسة أكثر ربما من أحمدي نجاد الذي خاطب المجتمع الدولي بشكل مباشر و" متهجّم " ، واستخدم العبارات الأشد وقعاً على آذان سامعيها .
    أنا معكَ بأن الخطاب لم يرتكز على معلومات محددة مقرنة بالأرقام والدراسات ، وهذا ما أفرغه من محتواه كما قلتَ .
    لكن الفكرة تكمن في أن هذه القضية غدت واضحة للجميع ، لا تخفى عن أذهان شجعان المجتمع الدولي همجية إسرائيل وعنصريتها ، لا تخفى عنهم ممارساتها.
    فلماذا يُطلب منا دراسة الجمل وصفّها بعناية كي لا نجرح شعور سامعيها ؟؟
    القضية واضحة وضوح الشمس لمن يريد أن يرى .
    برأيي ، لن يغيّر خطابٌ مقترن بالأرقام والدراسات من الأمر شيئاً ..
    سيواجَهُ بالاحتجاجات والانسحابات أيضاً .
    لن يغيّر أيّ خطاب من الأمر شيئاً .
    لن يوضح الصورة أكثر ، ولن يطمس معالمها أكثر .
    لن يزيدَ من تحيّز المجتمع الدولي لإسرائيل
    ولن ينقص منه .
    أي خطاب .. سيبقى كلاماً بكلام .

    تحية .

    ردحذف
  2. اتفق معك بان المقال ذاته لو كان مقرنا بالأرقام لتمت مواجهته بنفس الاسلوب
    لكن حينها المستمع المحايد سيحصل على وقائع وارقام تدفعه للتفكير والتساؤل
    ليس مجرد كلمات وتهجمات يخفتي مفعولها مع انتهاء استماعها

    اردوغان ونجادي شخصيتان لعبتا دور في فتح الأعين على حقيقة الممارسات العنصرية والاجرامية
    للأسف تمت مواجهتهما من اصحاب القضية اكثر من اعداءها !!

    صديقي قلت بتعليقك : " القضية غدت واضحة للجميع ، لا تخفى عن أذهان شجعان المجتمع الدولي همجية إسرائيل وعنصريتها ، لا تخفى عنهم ممارساتها. "

    للأسف ليس الواقع واضحا للعيان كما نتخيل نحن
    اتتخيل ان احد اقربائي في اوروبا عندما عرّف عن نفس بأنه سوريّ سألهم احدهم " سوريا هي الدولة ذاتها التي احتلت اراضي اسرائيل "
    قد يكون هذا الشخص لا يعلم بالسياسة شيء الا انه انعكاس على تأثير الاعلام على الفرد

    في الحرب الأخيرة على غزة تابعت تغطية قناة الأورونيوز
    كانت تعيد وتكرر مشاهد صراخ الأطفال الاسرائيليين في الملاجئ ونحيب أمهات نتيجة تعرضهم لـ " ضغط نفسي لا يحتمل " بحسب تعبير القناة !!!

    ردحذف
  3. أستطيع أن أؤكد أنه لم يكن ليتغيّر شيئاً لو أن خطاب أحمدي نجاد كان كما تفضّلت أخي أبو طوني.. بما يخص الغرب على الأقل.

    عندي هوس الاطلاع على مقالات الرأي في الصحف اليمينية خصوصاً عندما يخص الأمر شيئاً من شؤون الشرق الأوسط, و لم يكتب حرف عن محتوى ما قاله أحمدى نجاد, فالخبر كان أن أحمدي نجاد تحدث عن اسرائيل, فقط لا غير, و نفس التعليقات كانت موجودة قبل الخطاب حتى, لم يكن هناك داعٍ حتى لكلمته لأن المفعول هو نفسه قبل و بعد.

    كما قلت سابقاً في الثلاثائيات, لست سعيداً لرؤية أحمدي نجاد يتحدّث عن اسرائيل رغم أن خطابه لم أعتبره سيئاً (فهو أفضل من خطابات سابقة له لم يكن فيها إلا "الشوبرة" و المهاترة), و لست سعيداً لأنني لا أعتقد أن إيران صاحبة قضية لكي يدافع عنها, نفس الكلام مذكوراً من قبل جهة فلسطينية سياسية و ثقافية, لاحظ, نفس الخطاب, سيكون له مفعول مغاير تماماً, و سيكون على الأقل قد سُمع و نقل إلى الصحافة و ليس كخطاب أحمدي نجاد...

    لكن العرب مشغولون بتدمير بعضهم البعض يا عزيزي غابي, لا وقت لديهم لعرض قضيتهم, و لذلك نتسوّل, نحن البسطاء, المواقف من أردوغان و أحمدي نجاد و شافيز و إيفو موراليس و غيره و غيره...


    كيف تريد أن يقتنع الغرب بأن اسرائيل عنصرية عندما يذهب (رقم 2) في النظام المصري إلى اسرائيل لزيارة ليبرمان و التقاط الصورة معه؟


    يا للأسف...


    تحيتي لك و شكري على الموضوع القيّم

    ردحذف
  4. معك على نفس الخط ياسينوف

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى