ليلي متطرف وافتخر بتطرفي




تفننت الناس منذ فجر التاريخ بخلق مجموعات يصنفون بعضهم بها بناء على صفات مشتركة تميز كل مجموعة عن الأخرى ، فظهرت المجموعات الدينية الشاملة على الاختلافات المذهبية ، وظهرت كذلك المجموعات العرقية القائمة على اختلاف الأعراق والألوان ، ولا اعتقد أنني سأنتهي من سرد النقاط التي يتم بها تمييز البشر وفصلهم وتحزيمهم وفقها .
ببساطة إذا نظرت حولك بتمعن فستلاحظ أن كل تفاصيل الحياة تنطلق من فكرة التحزيم والاختلاف وستلاحظ أن جميع الحروب والثورات بدأً من اكبر الأحداث الواردة بالتاريخ حتى آخر مشاجرة حدثت في حيّك ، إن لم تحدث بسبب فتاة فبالتأكيد قد حدثت بسبب المجموعات التي ينتمي إليها كل طرف من الأطراف المتنازعة .
أما أنا فقد أوجدت لنفسي مجموعتين لا ثالث لهما ، شملت بهما جميع الكائنات الحية ، بشرية كانت أم حيوانية وحتى النباتية لم اغفل عنها، المجموعتين هما " مجموعة النهاريين - ومجموعة الليليين " مجموعة تنشط في الليل وأخرى تنشط في النهار ، فإن لم يكن الكائن الحي منتسب إلى المجموعة الأولى فهو بالتأكيد من الثانية ، وإلا لأسقطت عنه صفة " الحي " .
شخصيا وبكل فخر أعلن بشكل واضح لا يقبل الشك انتمائي إلى المجموعة الثانية ، ولا بل أزيد على ذلك بنبذ جميع إشكال حياة المجموعة الأولى النهارية، ليس تطرفا أعمى بل تطرف ناتج عن جلسات تأمل وفي بعض القواميس يتم وصفها بجلسات " تحشيش "
الكائن النهاري متطفل بطبعه يتميز بإحداثه لضجيج مزعج يستفزني أنا وأصدقائي الليليين ،وللتأكد من هذه القاعدة حاول بنفسك السير في النهار داخل شارع مكتظ بالنهاريين لتلاحظ مدى التلوث السمعي الذي ستعاني منه .
اعد التجربة السابقة وسر في الشارع نفسه لكن بتوقيت نشاط المجموعة الليلة ، لتلاحظ مدى الاختلاف ومدى الرقي ، فصوت الضجيج يزول من جهة وتصبح حساسا لأقل الأفعال إصدارا للصوت في المحيط ، فستسمع صوت الهواء الذي سبق وسمعت عنه في كتابات احد الليليين دون أن تشعر به وتلاحظه بنفسك ، وستشمئز من كافة مصادر الصوت المزعجة لدرجة قد تجد نفسك فيها تحاول تخفيف ارتطام قدمك بسطح الأرض ، ليس فعلا غريبا بل نتيجة طبيعية كونك تسير وفق بيئة ليلية يجب عليك احترام قوانينها .
النهاريون مزعجون بالفطرة لا يحترمون خصوصية الآخرين ، فكل منا وقع ضحية للنهاريين ونظراتهم الفاحصة التي تشملك من أولى شعرات رأسك حتى أسفل حذائك .
بينما في الليل ترى الناس تمشي بهدوء وورع ليس بشكل حزين انعزالي كما يحاول النهاريون نشره في الأوساط البشرية بل بشكل حضاري ينبع من احترام خصوصية المجتمع الليلي ، ونقدا لإدعاء الوحدة والانعزال حاول بنفسك إلقاء التحية على احد الليليين لترى كيف سيردها عليك بابتسامة عريضة >> خير دليل على تقدمهم الفكري والحضاري .
أضف لمعلوماتك أن كافة المفكرين والأدباء والشعراء من رواد العالم الليلي ، وإن لم يصرحوا بذلك فكتاباتهم خير دليل على انتمائهم ... هل وجدت كتابا يتحدث عن شمس النهار ؟ . وهل سمعت مثلا قيس يغني " النهار يا ليلى يعاتبني ويقول لي سلّم على نهارها " !!
فإذا شعرت انك تحمل من الوعي والانضباط ما يخولك الانضمام إلى مجتمع النخبة ، سارع بإعلان ولائك للمجتمع الليلي وقاطع كافة أشكال المجتمع النهاري المتخلف .
التوقيع
ليلي متطرف يفتخر بذلك

تعليقات

  1. تحياتي يا غابرييل...

    أنا نهاري بالإكراه...
    يعني منذ أن ولجت بين المسننات الطاحنة لماكينة سوق العمل و أنا نهاري بحكم ساعات العمل المفروضة علي. ولكن هذا لا يعني أنني لا أستمتع بين الفينة والأخرى بالاستيقاظ في منتصف الليل و الاستمتاع بسكونه و سحريته: فأكتب أو أقرأ أو أهرول أقود في شوارع فارغة خالية.... أشعر حينها و كأنها شقت و رصفت و عبدت لي وحدي. صراحة شعور جميل أشببه بالشعور بالانتماء!

    و شكرا على المقالة الجميلة.

    ردحذف
  2. بصراحة انت بتزعل



    اوووووخ بتستاهل مشان تعرف انو ال...
    كلون متلك بنامو الصبح وبفيقوا بليل

    ردحذف
  3. يمكن من الاشيا اللي افتقدتها وانا بحلب كانت الصمت, خصوصاً بالصيف. ما في هدوء تام حتّى بالليل, دايما الهدوء نسبي.

    ردحذف
  4. دبي جاز : لا انصحك بالعودة إلى الليل بين الحين والآخر ... فلكل منا طاقة قد تنفذ بين لحظة وأخرى .. وعليك اعادة شحنها بشكل مستمر .. فلا تغفل عن الليل .

    غير معروف : لك اي ما هية هون المشكلة انه العالم بنامو بالليل وبفيقوا بالنهار فما بقدر اعمل شي " انا اخدت الجانب الإيجابي ورديت عليه ... مو بايدي ايجابي بنظرتي "


    مجد : يا اخي الصيف قضاء وقدر .. بس يا معلم بحلب ساحة الحطب بالمسا شي بينقلك على عالم تاني .. رجاع عيد حساباتك

    ردحذف
  5. احيانا بالليل بكون في احساس غريب بالذات
    و افكار و عقل بودي و بجيب
    الصمت و الهدوء
    انا ايضا من متطرقين الليل لكن للازدواجية بحب النهار و خلية النحل اللي بتكون بتزن بلا داعي في دانك

    ردحذف
  6. انا مثلك يا غابي ليلي جدا وانا ليلي لدرجة اني نزق بليليتي وافاخر بها العرب واستهجن هؤلاء النهاريون العفنون الفاقدو الاحساس بالمحيط الاطلسي

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى

وسائل الاعلام " المفقودة "