شرق × غرب

مقارنة المجتمع الشرقي بنظيره الغربي أصبحت مبتذلة بشكل مقرف بالنسبة لي .

ابتذالها يتلخص بوضع الكائن الشرقي نفسه في خانة التبعية للغرب ، الخانة التي تساهم بشكل أو بآخر بخلق إنسان فاشل لا يستطيع الاستفادة من عملية المقارنة التي يقوم بها بشكل صحيح والتي من اجلها تم إدراج المقارنة كوسيلة تعلم .

فبالعادة نصطدم دائما بعقول شرقية ، ترى الغرب بمنظور دنيوي تحقيري ، فأرضنا موطئ قدم الأنبياء مقدسة من الآلهة منذ فجر التاريخ ، تاريخنا مضاء كالشمس المنيرة مقابل ظلام الغرب الدامس آنذاك ، وحتى اللحظة الحالية نتقدم عليهم أخلاقيا لحدود بعيدة ، فيكفي أن تتطلع على إحدى الإحصائيات الموضحة لعدد حالات الاكتئاب الناتجة عن تفكك البيئة الاجتماعية والشعور بالوحدة ، لتعلم مدى تقدمنا إنسانيا واسريّا عن الغرب .

لا تقل لي أن النموذج هذا خيالي ولا وجود له على ارض الواقع ، فسطور حملة الهجوم على المثلية مثلا خير دليل لما تحمله من دعوة لمحاربة ما تم إيراده من مرض أنتجته البيئة الغربية الفاسدة نحو أرضنا المقدسة التي لم تعهد يوما فسادا إلا ومصدره الغرب وتدنّيه ... المصدر الأساسي لعارنا .

بصفة شخصية ، أرى أن العار الوحيد الذي يمكن ملاحظته يكمن في كلمات إنسان يتشدق بتاريخ مضيء بينما هو حاليا يقبع وحيدا في ظلام مرعب لم تشهد له البشرية مثيل ، يرى في الملابس التي يتم تنظيفها نموذجا لثياب كانت يوما ما متسخة !! غير مهتم بحالة الثياب في اللحظة الحالية فهو لا يرغب أو لا يستطيع رؤيتها بعكس ما يريد هو أن يراها .

أما بخصوص العلاقات الاجتماعية المتميزة والاهتمام الأسري من الأم والأب في البيئة الشرقية ، فأترك الإجابة لتدوينة توصف حادثة جرت مع إحدى أصدقاء المدونة بعنوان " Big Sale " .

في الجانب الآخر نرى نموذج متطرف آخر ظهر حديثا كردة فعل لوجود النموذج السابق الكاره للغرب ، ليعتمد هو الآخر على فعل المقارنة الساذجة بين المجتمعين الشرقي والغربي ، فأصبحنا نجد أمامنا إنسانا شرقي الثقافة والتفكير ، معجب بالغرب لمرحلة التقديس ، لحد تصبح أحلام يقظته أفعالاً بديهية ومحققة لديهم، كأن يقول لك مثلا : " تم تدريب الدجاج الغربي على التوجه بتلقاء نفسه إلى أماكن وضع البيض " أو " استطاع الغرب حديثا التوصل إلى تقنية الانتقال جسديا عبر الزمن " فمخيلته قد أحلت له نسج الأكاذيب بهدف إظهار تخلف الشرق أمام عظمة الغرب، أعلم أن الحب أعمى .. لكنني لم أكن اعلم انه قد يدفع الإنسان لتصديق أكاذيبه وإطلاق عليها صفة الموثقة .

دعوتي هنا تنبع من ضروري فتح أعيننا جيدا ، لنعرف أين نحن في سلم التطور الإنساني للمجتمعات ، أولى خطوات الحل تنبع من الاعتراف بوجود المشكلة ، لننظر بأعين واعية إلى بلاد ما وراء البحر ، لننظر بموضوعية لنتعلم من تجاربهم لا لنعتبرها مآخذ عليهم ، كبريائنا لن يعاد له شرفه إن حاولنا تحجيم الغرب بطريقة او بأخرى بل سيعود علينا بالفشل تماما كمحاولة تأليه الغرب لمجرد تبيان تخلفنا وسوء حالنا .

ايدولوجية اجتماعية تعلمتها في المنظمة التطوعية تتلخص بـ :

انظر...احكم...اعمل

ثلاثة أفعال مترابطة ومتناسقة بشكل رهيب ، يكمن مستقبلنا بمدى فهم معانيها وأبعادها .