بالعلم والفضيلة ... نبني وطننا


قد يكون العنوان يحمل روح الشعارات الرنانة التي لطالما تأففنا وتململنا من سماعها ، والتي بحسب التعبير الشعبي " ما بتطعمي خبزة ولا بتعمر بيت "

الشعار السابق يربطني بطفولتي وبالتحديد إلى مدرستي الابتدائية حيث ترعرعت ونشأت والتي انسب إليها جزءا كبيرا من أفكاري وشخصيتي وطريقة تفكيري ومنهجية تعاملي مع الأمور .. حتى اهتماماتي وميولي إلى حد ما .

من عادة هذه المدرسة – إلى هذه اللحظة - أن يقوم الأب المرشد القائم عليها باختيار شعار سنوي يتم وضعه في كافة أرجاء المدرسة بشكل إعلانات مرئية ، ويردده صبيحة كل يوم .

جميع تلك الشعارات تنقسم إلى شقين وتتلى على مبدأ الأخذ والرد أي يهتف الأب " بالعلم والفضيلة " فيردد جميع الطلاب بصوت واحد " نبني وطننا " يعود الأب ليهتف " نبني وطننا " ليكمل الطلاب " بالعلم والفضيلة "

ليكرر الأب العملية ذاتها أكثر من مرة متحججا بأن الصوت لم يصل إلى المستوى المطلوب وانه لا يدل على وجود أكثر من 400 طالب في الباحة .

حوار مسرحي فاشل يعلم أبطاله مدى سطحيته وسذاجته ، هكذا كان انطباعي نحو الوضع السابق وبقية الشعارات التي هتفت بها طوال فترة دراستي في تلك المدرسة واذكر منها :

" المحبة تبني ... الأنانية تهدم " ، " مَنُ يُحِب ... يزرع السلام " ، " مجانا أخذنا ... مجانا نعطي "

" الإخلاص والاحترام ... للوطن والإنسان "وفي السنة الحالية يتم ترديد شعار " عبادة المال ... اصل الشر "

عودة إلى الشعار الأساسي ، الذي لم أدرك أهميته ومدى تأثيره علي إلا في الآونة الأخيرة ، وذلك بعد أكثر من موقف جعلني استذكر هذا الشعار آخرها استشهاد احد المحاضرين بحرفية الشعار للاستدلال على سبل التربية الوطنية والنشء الوطني القويم ومدى ضرورة زرع قيمة بناء الوطن عند الأطفال .

أما أكثرها دفعا لي لاستذكار تلك الأيام والشعائر هي حادثة جرت مع طفل صغير يصلني بالقرابة لم يتجاوز السابعة من عمره ، وجد أهله فيه موهبة الرسم وبادروا بإلحاقه بأحد معاهد الرسم للاهتمام بموهبته وتطويرها ، وبالفعل يُلاحظ الفرق بين مستواه الفني – رغم تواضعه – بين رسوماته قبل التحاقه بالمعهد وبعدها .

وكوني احد المهتمين بالرسوم سارع أهل الطفل لعرض لوحاته عليّ لمعرفة رأي الشخصي (( التمثيلية المعتادة التي يعتمد عليها الآباء للإثناء على الطفل وتشجعيه )) وخلال جولتي بين دفاتره استوقفتني إحدى الصور ، كانت تمثل طفلا صغيرا يركب دراجته وينزه كلبه ، الشيء غير الغريب عن الطفل كون والده طبيب بيطري يقوم بتربية مجموعة من الحيوانات الأليفة في منزله بين الفترة والأخرى للاهتمام بها بشكل مكثف، أما القسم المثير للدهشة هو وجود سارية في الصورة تحمل العلم السوري ، فسارعت بأخذ نسخة إلى الصورة بالكاميرا المرفقة مع هاتفي النقال " رغم علمي المسبق برداءة جودة الصور الملتقطة عبرها "


وفي سؤالي للطفل " مين قلّك ترسم العلم "

أجاب ببراءة " ما حدا ، رسمته لأني سوري "

لا أستطيع وضع ملامح واضحة لمستقبل الطفل ، سواء على الصعيد الفني أو على بقية الأصعدة الدراسية ، الاجتماعية الثقافية وغيرها فمسيرته ستحدد بناء على عوامل متغيرة لا يمكن التنبؤ بها .

لكنني أستطيع التأكد أن الطفل هذا سيعمل في المستقبل على " بناء وطنه " بكل ما تحمل جعبته من علوم وفضائل ، فحب الوطن أصبح جزئا لا يتجزأ من شخصيته ، تربّى عليه ومزج بتكوينه الفكري ، وأصبح جزءا من شخصيته ، مهما جنت عليه الأيام ومهما عانى سيبقى ثابتا لا يتزعزع فيه ، الجزء الذي للأسف يُفتقد عند الكثيرين من كبار اليوم ...وصغار الأمس والمستقبل .


وبالعلم والفضيلة ... نبني وطننا

تعليقات

  1. واو!

    أجابة لا تتوقّعها لا من طفل و لا من كبير ربما.. للأسف, و ليس هذا ذنبهم, فقد تربّينا على تقديم الكثير من الأشياء قبل الوطن, بل أن الفكر الوطني و الثقافة الوطنية شبه معدومة, فأساس الفكر الوطني الذي هو مفهوم المواطنة و معنى كلمة مواطن غير موجودة.. المواطن عندنا هو من يدفع الضرائب و الغرامات.. فقط لا غير...


    هامش: رائع انو رسم العلم صح, عندي زميل دراسة سابقا لم يكن يعلم الفرق بين علم سوريا و علم البعث.. و ياما معلقين العلم بالمقلوب بالمدرسة لأنو ما عرفانا انو لون لفوق...


    تحية

    ردحذف
  2. للاسف معك حق
    الثقافة القومية بالنسبة النا بتتدرس وفق منهجية حزب البعث
    والدليل المادة اللي بتم تدريسا بالجامعة عنوانها " الثقافة " وبتكون مادة ادارية عند كل الكليات ، اذا دققت فيها فهية بتحكي بشكل اساسي على مبادئ واهداف حزب البعث وبتعطي جزء كتير صغير لتحكي فيه على تاريخ سوريا الحديث من وقت الانتداب لهلق ، وحتى الجزء اللي بيحكي على تاريخ سوريا بكون مقدّم ومصاغ بحسب رؤية حزب البعث .

    انا ماني ضد الحزب لا بل في اكتر من نقطة بدستوره بتعجبني فيه بس هاد ما بيعني يتهمش الوطن وتتهمش المواطنة وثقافة المواطنة على حساب ايا حزب ما .
    مشان الطفل والصورة.. صدقني دمعت وقت ما شفتا ولهلق كتبت التدوينة وانا عبحس بالفخر انه الطفل هاد بيقربني .

    تحية لمتابعي الاول " ابو وردة "

    ردحذف
  3. اشعر بالفرح كلما وجدت بالصدفة مدونة سورية
    فلك ان تتصور سعادتي حين رايت مدونة تحمل اسم سورية الحبيبة
    تحية خالصة من ارض النيل
    :)

    ردحذف
  4. اهلا بأبن النيل وصدقني كلماتك بتزيد من فخري واعتزازي بوطني ...
    اهلا بك

    ردحذف
  5. كزبر جسمي (قشعر بدني اذا بتفضل).

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى

وسائل الاعلام " المفقودة "