رائحة الموت



جمعت اغراضي الشخصية اضافة لكيس النوم الخاص بي بجانب كافة مستلزماتي ، وعلى غير عادتي ، هذه المرة لم انسى وضع دفتر الملاحظات والقلم لكتابة المداخلات التي سأقوم بها دون مقاطعة المتكلم، فمن اللباقة ان انتظر انتهاء المتحدنث من اكمال فكرته لأعلق على النقاط المهمة التي تطرق بها ، مستعينا بكلماته التي نطقها لاضافة القوة على تعليقاتي ومداخلاتي .

الحدث المنتظر هو الاجتماع الرسمي الاول خلال عام 2009 في المنظمة التطوعية التي اعمل بها منذ سنتين ، والتي بحسب تعبير كافة رفاقي " سارقتلي حياتي مني " .

الاجتماع لم يكن كسائر الاجتماعات الاسبوعية التي اعمل على تحضيرها والمساهمة بطرحها على الاطفال المنتسبين إلى المنظمة ، فعلاوة على انه التجمع الاول الذي سألتحق به وانا على دراية تامة بعدم وجود اية مهام مطلوبة مني لتحضيرها او تنسيقها مسبقا ، ولا يوجد اي جهد ذهني او جسدي يُطلب مني بذله هذه المرة بعكس الاسابيع العادية ، فستكون هذه فرصتي الذهبية لاعادة التواصل مع حياتي التي جنت عليها الفترة الامتحانية ما جنته . وان كان هذا التواصل يشكل خطوة صغيرة تعادل التحاق الانسان الناجي من تخثر دماء في الشرايين او ما يعرف بـ الجلطة ، بأول دروس العلاج الفيزيائي الفيزيولوجي لتمرين العضلات ، فالسعادة التي يولدها امل اعادة تحريك اليد او السير من جديد لا يمكن وصفه .

يهدف الاجتماع إلى لم شمل كافة ارجاع المتطوعين في المنظمة لتبادل الخبرات ووضع بعض المشكلات التي واجهتنا خلال الفترة الماضية تحت المجهر لايجاد الطريقة الانسب بالتعامل معها بناءا على شهادة الحياة التي سيقدمها كل منا والاقتراحات التي سيتم التعامل معها .

بدأ القاء بنشاط واضح على جميع المسؤولين الملتحقين بالبرنامج التدريبي المعد من قبل الامانة العليا بالتعاون مع اعضاء سابقين غادروا سكة العمل التطوعي بسبب ظروفهم واستمروا بامدادنا بخبراتهم قدر استطاعتهم انطلاقا من ايمانهم برقي العمل التطوعي وضروراته الاجتماعية لتطوير وطننا " سوريتنا ".
مع مرور الوقت والسير بنظام مدروس داخل البرنامج الزمني المعد لنا مع كسر الحواجز والحدود والتكلم بواقعية بعيدا عن التنظيرات والمثاليات والافكار الروتينية التي لطالما كانت الفخ الذي تقع فيه الاجتماعات المشابهة .وبحسب تقييمي الشخصي اعتبرت اننا وصلنا إلى نتائج مرضية ان لم تكن " مذهلة " .

مخابرة هاتفية واحدة كانت كفيلة بتغيير كل البرنامج الزمني وقلب كافة المقاييس ،فاحد العاملين معنا توفي والده بحادث سير كان فيه الضحية السلبية اي الضحية التي لم تكن تلعب دور قائد المركبة ... خطأه الوحيد هو انه سيء الحظ الذي جلس بجانب السائق في تلك الرحلة ... رحلته الاخيرة .

اعتقد ان من اليسير توقع التغيير الذي طرأ على خط سير الاجتماع ، والسيناريو الذي فرض نفسه على كافة المتواجدين والمشاركين فيه .
اندفاعا بعواطفهن الرقيقة والحساسة شرعت كافة الفتيات بالبكاء الجماعي ...
واندفاعا بعزة النفس المتعجرفة للرجل الشرقي اتخذ كل من الذكور زاوية منعزلة جلس فيها مع نفسه ... ليمارس شعائر الحزن التي يخجل كل شاب بمشاركتها مع بقية المجموعة انطلاقا من " الحكمة " التي تخلو من الحكمة " الرجال ما بيبكي " والتي تجرد الرجل من مشاعره الانسانية .

لست بالوضع النفسي المستقر الذي يسمح لي بالكتابة على هذه التجربة ، او التحدث على وقع تلك الليلة على كل واحد منا ، ولست بالوضع الذي يسمح لي بمشاركة حزني معكم لغوص في تفاصيله ، فالموت كموضوع نقاش يترك آثاره السلبية في اثر المتحاورين ، فما بالك في حال اصبح واقعا يجبر عليك الخوض فيه .

مع انني لم اكن يوما من المقربين من الشاب الذي توفي والده ، ولم اكن على علم باسم الرجل الراحل حتى !!
الا ان رائحة الموت ... اقوى من ان يتم تجاهلها وارعب من ان تمر بسهولة على احدنا او بالقرب من احدنا. فالصوت الذي يتركه صدى نقر اصابع قابض الارواح على ابواب البشر ، ارهب من ان يمر دون وقفة او وضع التساؤلات واعادة النظر إلى الذات .

تعليقات

  1. الله يرحمو, و لأهلة الصبر و السلوان..


    أبو طوني يسعدني جداً القراءة عن نشاطاتك التطوّعية, و فعلاً هالنشاط مهم جداً و بعتقد هو المادّة الأصعب بما يخص الشباب السوري.. و جميل جداً انو الواعيين و المثقفين مثلك يلتفتو لهالشي.. رائع جداً

    بانتظار سردك للتجربة و لنشاطاتكون, يجوز نقدر نساعد بشي عن بعد


    مع التحية و السلام

    ردحذف
  2. كلمة الموت التي تصيبنا بالخرس دوما

    البقية بحياتك

    ردحذف
  3. ياسين : تعيش .. ومشان اني اكتب على المنظمة التطوعية فتركم قريبا جدا بنزل تدوينة بتحكي عليها بشكل افضل واللي هية بالمناسبة حركة موجهة للشباب الطالب حصرا . قريبا جدا بتوسع بالموضوع .. بتشكرك على استمرار زيارة زاويتي المتواضعة .

    جفرا : معك حق انها بتسرق الكلمات مننا ... تعيشي .
    ملاحظة : بتمنى ما تمانعي اضافة مدونتك عندي على القائمة ... لسهولة الوصول إليها ومتابعة آخر تدويناتك .

    ردحذف
  4. هذا شرف لي ان اكون بين طيات صفحاتك

    ردحذف

إرسال تعليق

لم ولن يتم فرض أي رقابة على التعليقات أو المساس بها من تعديل أو حذف.

عبّر عن رأيك بحريّة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة نقدية في القوقعة : يوميات متلصص

حقارة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى

وسائل الاعلام " المفقودة "