عازار حبيب

يصدم كل من يعرفني جيدا ويعرف مدى عشقي لـ عازار حبيب عندما أخبره عدم امتلاكي أي معلومة تتعلق بحياته الخاصة ، فأنا لا اعلم أين ولد ولا أعلم لمن أهدى أغانيه ولا أعلم كيف أنهى مسيرته الفنية ولا أعلم حتى إن كان متزوجا أم أعزب !!
وهذا لا يقلل من حبي له ومن عشقي لأغانيه التي طبعت في شخصيتي بصمة مميزة وفي ذاكرتي لحظات أفرح باستعادتها

فبالنسبة لي أغنية سيجارة تذكرني بمرحلة البكلوريا ، وكيف كنت أعيد باستمرار بداية الأغنية التي تقول
" هيدي خامس سيجارة بحرقها بخمس دقايق ، عيوني صارت دوارة فكري ملبك مش رايق "
لتدور عينا والدي اضطراباً معلنة ارتيابه بي مصرّحة بمخاوف انحرافي ببدء التدخين !!
الأمر الذي لم يكن ليرضى به يوما .

وأغنية ضيعتنا تذكرني بأختي الكبرى عندما كانت تقتحم خصوصيتي باستمرار انطلاقا من سلطتها ( الكبير آمر للصغير ) لتخرجني من الغرفة للاستمتاع بالأغنية والرقص على أنغامها .

مع أنني اصغر الأخوة في المنزل ، إلا أن الشهقة التي أطلقتها أمي عند دخولها إلى غرفتي وسماع كلمات أغنية نانا نانا وإخباري كيف أن أختي الكبرى عاصرت إطلاق الأغنية هذه وأنها ( أي والدتي ) قامت بتعليمها أداء هذه الأغنية لتصبح ( ملعبة العيلة ) بحسب تعبيرها ، كان كفيلا للدمج بين صورة أختي الصغيرة – والتي تكبرني بعشر سنوات تقريبا - الموجودة في أرشيف درج صورنا القديمة وبين الأغنية هذه .

كل اللي صاير كيف لي أن أنساها ولها ارتباط جذري بأختي الوسطى ، أختي التي لطالما كنت أنانيا معها بعدم إخبارها عن موقع المجلد الذي توجد به أغاني عازار وبالتحديد هذه الأغنية ، وحتى الآن أتخيلها جالسة بجانبي تستجدي موقع الملف مني .. وأنا بكل دناءة أتلذذ تعذيبها !!

كلما نظرت إلى صورتها اسمع صدى صوتك منشداً مقطع " عحبات الندى .. عصوتي علصدى .. " من أغنية عم لملم حناني

أذكر النسمات الصيفية الباردة للضيعة الجبلية " القنية "، عند سفري مع أصدقائي للمبيت في منزل ريفي قديم وجن جنوننا في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وقررنا النزول للمشي في البساتين والأحراش لنرى منطقة مستوية خالية من الحجارة تستطيع احتضاننا ، استلقينا فيها كل واحد منا واضعا رأس احدنا على بطنه وواضعا رأسه بدوره على بطن الذي يليه ، ومحاولتنا الغرق بالنجوم وخلق جو من الصمت للتمتع بصوت الهواء الضارب بالأشجار ، الصمت الذي دمجه صديقي بصوته الرائع بعد أن سرق هاتفي من جيبي دون أن اشعر به وحاول إعلامي انه سرقه عن طريق وضعه لأغنية لا يملكها احد غيري على هاتفه ...أغنية عجبين الليل .

رحلتي إلى الشام واقتسامي لسماعات الأذن مع الفتاة التي أحب جعل لأغانيك ( من أي ملاك - دولابك - كتير محلاية - لولاكي يا ملاكي ) نغم خاص وموسيقى مميزة أحدثت ارتباط وثيقا بين طريق حلب - دمشق
ففي سفرتي الأخيرة وجدت نفسي جالسا في كرسيّ المنفرد استمع إلى الأغاني لأحيا من جديد تلك الساعات الأربعة . محاولاً تخيل طيفها جالسا بجانبي .

من مين بدي أسرقك الأغنية التي اشترك بها مع دليدا رحمة ، كيف لي أن أنساها وقد اخترتها كنغمة لهاتفي منذ أول ما استمتعت إليها حتى هذه اللحظة ؟!

أغنية " مش مهم تكوني حدي " ونظرات الدهشة والاستغراب من صديقتي عندما سمعتها لأول مرة بصوت عازار حبيب، صديقتي تلك تعلم جيدا ألحان وكلمات الأغنية لكنها لم تسمعها إلا بصوت والدها ، فوالدها يغنيها إلى والدتها كلما سنحت له الفرصة .. يبدو أن الفرص كثيرة لدرجة أن صديقتي قد حفظت الكلمات عن ظهر قلب !!

حتى كتابة هذه الكلمات واسترجاع كل هذه الذكريات ... سيصدم من يعلم أنني لم أشاهد قط صورة لعازار حبيب ، لا بل أعارض بشدة وأمانع عرض صورة فوتوغرافية له أمامي .
فبالنسبة لي صوت عازار وكلمات أغانيه حدث يتجسد بذكريات تعيدني للحظات رائعة تنتمي لأكثر مراحل حياتي صفاء ونقاوة، أخاف من فقدانها وربطها بالصورة التي سأراها .. أخاف أن تخالف صورة المرحوم عازار حبيب الحقيقية الصورة التي رسمتها له في مخيلتي .

أعلم أنني تأخرت كثيرا .. وأعلم أن انتقالك للعالم الآخر قد حدث منذ اكتر من سنة ونصف
لكنني لم أدرك فيما مضى مدى تأثير كلماتك بحياتي ومدى الطمأنينة التي يبعثها صوتك فيّ وبمن حولي
أقل ما يمكنني فعله هو تشكرك على منحي كل تلك الذكريات .. كل تلك اللحظات .. كل تلك الأحاسيس
إلى عازار حبيب ..من كل قلبي أقولها ..شكراً جزيلاً لك .